وجوه يعلوها الحزن وقسمات اعتادت قسوة الحياة ومفاجآتها، هكذا بدت وجوه أهالي مدينة الفلوجة ومحافظة الأنبار الذين لجأوا إلى إقليم كردستان ومحافظات أخرى هرباً من الموت بعدما اشتعل القتال مجدداً في مناطقهم. النزوح نحو المجهول والانتظار في المكان الجديد بات من الأمور المسلّم بها في الأوضاع التي تعيشها المدينة بسسب الصراع بين الحكومة والعشائر وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) الذي فرض سيطرته لأيام على المدينة، قبل أن يتم الاتفاق على انسحابه وتسليم الأمر إلى العشائر. العائلات التي تقطن الأنبار والفلوجة هي الضحية الأولى لتلك الصراعات، وهي وإن تشابهت في الظروف التي عاشتها تحت القصف الجوي والضربات العشوائية المتبادلة بين الحكومة من جهة والعشائر و «داعش» من جهة أخرى، إلا أن ظروف النزوح اختلفت وفق المناطق التي نزحوا إليها في الأيام الماضية. بعض العائلات فضّلت عدم الابتعاد عن المدينة والانتقال من موقع الصراع إلى ضواحٍ أخرى أكثر أمناً بالنسبة لها، فيما فضّلت عائلات أخرى النزوح في اتجاه مدن مثل الموصل وكربلاء وبغداد وإقليم كردستان. الوضع الإنساني الذي تعيشه العائلات اليوم يختلف باختلاف المناطق التي نزحوا إليها. فالنازحون إلى كربلاء التي تشترك مع محافظة الأنبار في حدودها الإدارية دخلوا المحافظة إلى قضاء عين التمر ثم نقلتهم السلطات المحلية إلى مكان آخر أكثر استقراراً. وأظهرت إحصاءات استقرار حوالى 150 عائلة تضم 430 شخصاً في مدينة الزائرين بين كربلاء والنجف. المدينة المذكورة مجهّزة بخدمات كاملة كونها مخصصة لزائري العتبات المقدسة المقبلين من الخارج، ما خفف الكثير من المعاناة عن النازحين، وبالتالي فإن أوضاعهم أفضل بكثير من أوضاع الذين انتقلوا إلى بغداد والموصل. فالنازحون إلى بغداد لجأوا إلى المناطق القريبة من أمكنة إقامتهم الأصلية مثل قضاء أبو غريب. فيما استقر آخرون في منازل صغيرة استأجروها في مناطق العامرية والغزالية وخان ضاري وغيرها. ومثلهم فعل النازحون إلى الموصل الذي أقدموا على استئجار منازل للإقامة فيها، فيما أقام نازحون كثيرون عند أقاربهم في تلك المدن بانتظار إنتهاء الأزمة التي قد تستمر لأسابيع. فنادق إقليم كردستان امتلأت هي الأخرى بالنازحين من الأنبار والفلوجة. وعلى رغم التحذيرات الأمنية والتشدد الكبير الذي يشهده الإقليم في مثل هذه الظروف خوفاً من انتقال المشاكل الأمنية، إلا أن السلطات سمحت للنازحين بالدخول والإقامة في الفنادق فيما تحرّكت منظمات المجتمع المدني لإغاثتهم وتقديم ما تستطيع من مساعدات عاجلة لهم. وعند الباب الرئيس لمنظمة التنمية المدنية في السليمانية (CDO) تجمّع عشرات من النازحين من الأنبار والفلوجة لتسجيل أسمائهم الأحد الماضي. إحصائية المنظمة في السليمانية تؤكد نزوح معظم العائلات إلى أربيل، وتشير إلى إن عدد النازحين إلى السليمانية كان أقل بكثير لأسباب ربما تتعلق بالمركز السياسي لعاصمة الإقليم أو لعدم إدراك العائلات النازحة أن منظمات المجتمع المدني أكثر نشاطاً في السليمانية منه في أربيل. أما الإحصاءات الرسمية لعدد العائلات النازحة إلى إقليم كردستان، فتؤكد استقبال الإقليم 400 ألف عائلة في الأسبوعين الماضيين وقد استقرت غالبيتها في الفنادق، وأن الأعداد في تزايد، ومرشحة للارتفاع كلما طالت مدة الأزمة. وهذه ليست المرة الأولى التي تعاني منها عائلات الفلوجة والأنبار من مرحلة التغيير وقد لا تكون الأخيرة في حال استمرار وجود «داعش» والتوتر بين الحكومة والعشائر.