يبدو أن أفلام الرعب والجرائم لم تعد بحاجة إلى دور سينما، أو طقوس معينة للمشاهدة، أو كتابة عبارات «للكبار فقط»، أو «مشاهد غير ملائمة»، إذ انتشرت في الآونة الأخيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع عن جرائم «غير تمثيلية» تجردت من الإنسانية، لتبلغ أعلى درجات «الرعب والخوف» في الأوساط الاجتماعية. وكان منتمون إلى تنظيم «داعش» الإرهابي نفذوا أعمالاً إجرامية خلال هذا العام، منها ابن يقتل والده، ومقتل رجل أمن على يد ابن أخته في رمضان، وأخيراً عشريني يغدر بابن عمه في الصحراء. وجميع مرتكبي الجرائم في الأحداث الواقعة «صبية» ينتمون إلى التنظيم، الذي سلب عقولهم بشعارات متطرفة ومعتقدات غير منطقية. وكان المقطع المصور لجريمة الغدر التي ارتكبها «سعد العنزي» في حق ابن عمه «مدوس العنزي» في عيد الأضحى المبارك، أثر كثيراً في أفراد المجتمع، إذ تولد «الخوف» في قلوبهم، وغدت تطاردهم في اليقظة والمنام. ولم يغب مشهد الجريمة الأخيرة عن بال «فاطمة أحمد» التي أصيبت بنوبة بكاء على ما حل بالمقتول، مستغربة من حجم أثر الفكر «الداعشي» في الشباب، قائلة: «أصبحنا نخاف على أبنائنا بعد الجريمة الأخيرة، والثقة التي وضعناها فيهم أصبحت لا تكفي، وهي بحاجة إلى إجراءات أخرى من الوالدين». وأبحرت رؤى محمد بمخيلتها لتشاهد أحد أبناء أختها يشرع في قتل الآخر، مستعيذة بالله من حدوث ذلك، إذ إن واقعة الذبح التي وقعت جعلت منها توسوس فيمن حولها، متخوفة من أن يتأثر أحد من أفراد أسرتها «الأبرياء» بالفكر «الداعشي» الذي سلب عدداً من الشباب، داعية الله أن يحفظ أبناء أسرتها وأبناء المسلمين من «الضالين». وتفاجأ خالد السالم، من حديث والد القاتل عن ابنه حين وصفه بأنه «شاب غير اجتماعي، ولم يظهر عليه أي سلوك يثير الشبهة»، على نقيض ما شوهد في مقطع القتل الذي تجرد فيه من معاني الإنسانية، موضحاً أن «المقطع ولّد لديه الخوف على أبنائه». وقد يعد تناول أفراد المجتمع مقطع القتل المصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، دليلاً على أن الحادثة أخذت موقعاً في نفوس الأفراد، مثلما أكد ذلك أستاذ علم الاجتماع في جامعة شقراء الدكتور سعود القوس. وقال ل«الحياة»: «إن التفاعل الكبير من أفراد المجتمع عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، دليل على أن الحادثة لامست مشاعرهم، إذ كتبت حولها مقالات وقصائد شعرية وغيرها من التعليقات». وأضاف القوس: «مقطع القتل لم يولّد الخوف بين أفراد المجتمع فحسب، بل تخطى ذلك إلى تغيير النظرة حول التماسك في علاقات القرابة والصلة بين الناس، خصوصاً أن القتيل ابن عم القاتل، إضافة إلى ترعرعهم تحت سقف بيت واحد، وهو ما سيؤثر في ترابط الأسر وعلاقاتها». وقال: «جريمة مثل هذه مردودها على المجتمع بشكل عام كبير جداً، فهي ليست مجرد جريمة قتل فقط، إذ إن الهدف من توثيق الجريمة ونشرها ليس القتل الشخصي فقط، بل قتل المجتمع بأكمله وإثارة الرعب وتخويف الناس وبث الذعر في نفوسهم ونشر الإرهاب»، مشيداً بجهود المملكة في محاربة ذلك بالضبط على القاتل في فترة وجيزة. من جهته، بين استشاري الطب النفسي الدكتور فهد المنصور أن «العلم والتعلم في حياة الإنسان حقيقة ثابتة، والتعرض لجرعات كبيرة من مناظر القتل في ظل سرعة وسهولة وصولها إلى أكبر شريحة من المجتمع يغير في تركيبة الشخص الداخلية». وتساءل في حديثه إلى «الحياة»: «ماذا لو كانت مشاهدة مثل هذه المقاطع وتداولها بين مجموعة من الشباب دليلاً على الجرأة والقوة، وصرفاً لصفة الجبن والضعف؟ ثم تطور الأمر لأن تتعود النفس على مثل هذه المشاهد حتى تجف فيها منابع الرحمة والإنسانية فيها، وتصبح ردات الفعل تجاه مثل هذه المشاهد باردة، وبأقل تأثير ممكن؟ ثم تبدأ مشاعر من الإعجاب والرغبة في امتلاك القوة والسيطرة تغزو قلوبهم الغضة، حتى تبدأ مرحلة البحث والتنقيب، ثم الانغماس شيئاً فشيئاً في مستنقع الفكر الضال». وأكد أن «المستهدفين هم الشباب أو من يطلق عليهم بالمغرر بهم عاطفياً، تأخذهم النزعة بعيداً عن الدين والمصالح الوطنية لتأكيد الذات وحب المغامرة».