لا أدري إن كانت الجرائم البشعة بحاجة إلى مبررات وتفسيرات، كالجريمة الوحشية التي ارتكبها ابن العم في ابن عمه خلال الأسبوع المنصرم، فأوجعنا وآلمنا وأحزننا، جراء تفننه في زهق روح هذا البريء المغدور دون أدنى رحمة أو ذرة إنسانية. تابعت وتابعنا جميعا مجريات ردود الفعل المجتمعية والإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة متابعة متواصلة، ورصدت قراءات متعددة أبرزها تلك التي حاولت الوصول إلى تحليل علمي لشخصية القاتل المتوحش، وانصبت حول الجانب النفسي لشخصيته، فقال أحد المختصين إن «لغة جسد الإرهابي عكست خمسة عوامل نفسية منها عدم امتلاكه للقوام العقلي من خلال لغة جسده وتصرفاته وحديثه، وأثبتت عدم اتزانه نفسيا وعقليا، وأن مستوى ذكاء الشخص منخفض جدا، إضافة إلى وضوح معاناة الشخص من اضطراب نفسي واضح بقوة»، وأشار إلى أن «لغة العين أثبتت أنّ هناك شخصا كان يلقن الداعشي عباراته»، مؤكدا أن «المقطع أثبت عدم وقوع الشخص تحت تأثير مخدر أو خلافه، وإنما معاناته من عدم القوامة العقلية والنفسية». بعد هذا كله، لست أدري مدى الحاجة لمثل هذه التفسيرات التي قد تغير من مسار المعضلة الأساسية التي نعاني منها في مجتمعنا وهي الفكر الإرهابي الذي دبّ في أوصال نسبة كبيرة من شبابنا، فباعوا بذريعة اعتناقه وطنهم وخرجوا على ولاتهم وغدروا بالمقربين من الأهل والجار وشركائهم في الوطن، فقتلوا الخال والأب والأخ وابن العم دون وازع أو دين أو رحمة، وبالتالي فأفعال هؤلاء الداعشيين المجرمين ليست بحاجة أن نؤطرها في أسباب المرض النفسي، أو نقلل من حجم خطورتها على المعتقد، نعم المعتقد بمثل هذه التبريرات، على الأقل حتى لا تكون العقد النفسية أو الأمراض والاضطرابات العقلية شماعة يعلق عليها كل من أراد الذبح والقتل والتفجير وإرهاب الناس والسعي في الأرض فسادا سوء سلوكه وعمله الإجرامي. لا يعنينا مطلقا إن وُجد خلف الكاميرا من كان يلقن المجرم القاتل عباراته، ولن نكترث من عدد لمسه عمامته ورأسه وأن ذلك دليل قاطع على عدم شعوره بالأمان وعدم ثقته بنفسه، ولسنا ملزمين البتة من كون اتجاه عينه إلى الأعلى يمينا دليلا على تشتته الفكري، أو تركه رأسه تتدلى يعني ارتباكه وحيرته، بحسب ما أوردته بعض تحليلات أهل الاختصاص، فمن وجهة نظري أن الخطر أبعد بكثير، خطر داهم بدا جليا في مجاهرته بالخروج على ولاة الأمر أولا، وإعلان مبايعة للدواعش ثانيا، ثم قتله ابن عمه ثالثا وبكل هذا التخطيط والإصرار والترصد، ومن هنا لابد أن تتخذ القضية مسارا مختلفا تماما، لا علاقة له من كونه مختلا أو مخبولا أو مدمنا أو مضطربا نفسيا، طالما حرّك هذا المتوحش فكره لا مرضه، والفكر الضال إذا أضاع الطريق فاق المرض خطرا ووحشية ودمارا وعنفا، بل إن مواجهة خطر الفكر الضال لا تقارن بمواجهة شخص يعاني من مرض واضطراب نفسي، وتبعا لهذا كله، كم وددت أن لا نبرر لمثل هؤلاء القتلة جرائمهم ووحشيتهم بكونها نتاج اضطراب نفسي كما فعلنا مع من ذبحنا جميعا بدم بارد في يوم يحتفل فيه المسلمون بعيدهم الأكبر.