لقد هزت وجدان مجتمعنا جريمة قتل أحد أتباع المنهج الداعشي لابن عمه في محافظة الشملي الأسبوع الماضي، والذي تمكنت وزارة الداخلية من قتل أحدهما والقبض على الآخر، فلم تكن الجريمة لتمر كأي جريمة مرت بالمجتمع المحلي في السنوات الأخيرة، فقد كانت حديث قطاع عريض من الناس والرأي العام من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، لما انطوت عليه هذه الجريمة من صدمة نفسية كبيرة ومأساة إنسانية محزنة ومؤلمة إلى أبعد حد. في السنوات الأخيرة ألف الناس مشاهد الموت والقتل بشكل متكرر وغير مسبوق للأسف وذلك نتيجة لأسباب كثيرة منها توفر وسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة المتنقلة، ناهيك عن الجريمة نفسها والتي يغذيها الإرهاب أو الطائفية أو الكراهيات الجديدة والتي اتسعت رقعة انتشارها. إن تكرار مشاهدة تلك الجرائم لها تأثير مباشر على المجتمع وعلى بعض أفراد من المجتمع بصفة خاصة من الناحيتين النفسية والاجتماعية، وهذا يتطلب التوسع بالدراسات النفسية الاجتماعية والأمراض الناتجة عنها في مجتمعاتنا التي أصبحت ضحية مركبة في بعض الأحيان لهذه الدوامة. لكن الجريمة التي نحن بصدد الحديث عنها والتي وقعت الأسبوع الماضي في محافظة الشملي، خطيرة لأنها تنطوي على أن القاتل والمقتول أولاد عمومة وليس بدافع مشاجرة شخصية، وإنما بدافع التكفير. فهل نحن أمام موجة جديدة من التكفير الموجه لضرب العلاقات الاجتماعية التقليدية، خاصة ونحن في مجتمع يقيم فيه الناس علاقاتهم بالمقام الأول مع الأقارب، من إخوة وأولاد عمومة ودوائر القربى المرتبطة بها بشكل متعدد ومركب؟ وهل تتسبب هذه الحادثة بإعادة الناس النظر بعلاقات أبنائهم مع أقاربهم بعد أن كان هذا النوع من العلاقة مصدر ثقة واطمئنان لهم على أبنائهم؟ والجريمة هذه تعد غدرا من حيث الكيفية التي تم بها استدراج القاتل لابن عمه ودعوته لرحلة صيد في البر وقتله هناك بمشاركة طرف ثالث وهو أخ القاتل والذي كان يقوم بتصوير التراجيديا دون أن يرمش له جفن أو تدمع له عين هو والقاتل الذي كان يتلو عباراته التكفيرية، في المقابل أمام إنسان مسالم تم غدره وتقييد يديه وقدميه وكان واضحا أنه لا يصدق أن يباغته الجناة بالقتل وكان يعد كل ما يجري ربما من باب المزاح مبنيا على الثقة فالبعض يكفيه أن يكون أحد أقاربه من بين المرافقين ليقبل بذهاب ابنه لرحلة صيد. ما الرسالة التي أوصلتها هذه الحادثة الأليمة في المجتمع على صعيد الثقة المطلقة التي يمنحها الفرد أو الأسرة لأبناء العمومة وغيرهم في ظل فكر متطرف لا يقيم وزنا للقيم الإنسانية والاجتماعية بل والدينية؟ هل نحن أمام تأزيم جديد قد يضر بعلاقات القربى أو يساويها بما عداها من علاقات من خارج هذه الدائرة تقوم على التحقق والمتابعة قبل منح الثقة؟ هل أصبحت علاقاتنا الاجتماعية التقليدية نقطة ضعفنا ومصدر خوفنا على أبنائنا يستغلها المنتمون للفكر التكفيري؟ هل تتسبب تلك الحوادث -رغم قلتها- بمراجعة لكل الثغرات في حياتنا وتعاملاتنا وعلاقاتنا الناتجة عن طيبتنا وحسن نوايانا وربما سذاجتنا والتي جعلت أبناءنا في كثير من الحالات صيدا سهلا وهدفا طيعا لذهابهم إلى مناطق النزاع في دول الجوار والعالم؟ لا أحد يستطيع أن يلوم الضحية على فعل الجاني، فنحن مجتمع وثقافة بسيطة تسود تعاملاتنا النخوة والشهامة والطيبة والثقة المفرطة، لكن هذه الظاهرة لا يمكن تجاوزها وجذورها لا تزال رطبة تشرب الماء، فإلى أن يتم تجفيف جذورها وقطع حبلها السري بالموجة العالمية للإرهاب، لا بد من أن نرشد بساطتنا في تعاملاتنا وأن نوقف تسطيحنا للتبعات والنتائج، يجب أن نتعلم الدرس جيدا على الصعيد الشعبي والرسمي، يجب محاصرة هذه الظاهرة من ناحية الجاني ومن ناحية المجني عليه، كي ينتهي معها إرسال أبنائنا حطبا لصراعات في دول الجوار أو حوادث وتفجير في الداخل. فبعيدا عن حادثة الشملي وبنظرة شاملة لهذه الظاهرة بشكل عام، يجب أن يوضع حد لمن لا يبالون بحياتهم ولا يكترثون لحياة الآخرين سواء ممن يمارسون الجريمة والإرهاب أو الذين يمارسون السياحة الشاذة في دول أوروبا وغيرها، أو الذين يمارسون غواية سباق السيارات في شوارع المدن، أو غيرهم كل هذه التصرفات وغيرها تصرفات تعكس عدم المبالاة بالنفس وعدم الاكتراث بالآخرين. جميل ورائع أن تتعامل بحسن نية وأن تمنح الثقة حتى يثبت عكسها، لكن يجب أن تعرف أن هناك تحولات جذرية تقتضي الحيطة والحذر، فلم تعد التمرة تمرة ولا الجمرة جمرة، ولم يعد هناك حاضنة ودية للثقة أو لمن اعتادوا بأن تمضي حياتهم بالبركة.