من يتابع المشهد السياسي والأمني في تركيا يلاحظ التغير الكبير الحاصل في البلاد منذ 25 تموز (يوليو) الماضي، عندما قرر «حزب التنمية والعدالة» الحاكم إنهاء الهدنة مع «حزب العمال الكردستاني» وإعلان الحرب على الحزب في المناطق ذات الغالبية الكردية جنوب شرقي تركيا، بالإضافة إلى معاقل الحزب ومعسكراته في شمال العراق وسورية. ومنذ إعلان الحرب على «العمال الكردستاتي» لا يمر يوم في تركيا إلا ويشهد عمليات عسكرية يذهب ضحيتها عشرات الجنود الأتراك في معارك مع المقاتلين الأكراد، ما أثار موجة غضب شعبي تركي، خصوصاً ضد «حزب الشعوب الديموقراطي» المؤيد للأكراد، والذي يرتبط بعلاقات مع «العمال الكردستاني». وأضرم قوميون أتراك النار في المقر الرئيس ل «الشعوب الديمقراطي»، في العاصمة أنقرة، في حين استهدف عدد من القوميين متاجر الأكراد في كثير من المدن التركية. ويظهر من الأحداث الأمنية الدامية في تركيا أن من الصعب إجراء الانتخابات التشريعية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، كما حددها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد الفشل في تشكيل حكومة ائتلاف تضم جميع المكونات السياسية. واعتبر زعيم «حزب الشعوب الديموقراطي» صلاح الدين دميرطاش الأربعاء الماضي أن أعمال العنف التي تضرب جنوب شرقي البلاد بين قوات الأمن والمتمردين الأكراد تجعل «من المستحيل» تنظيم الانتخابات، ما يجعل عقدها أمراً شبه مستحيل، ويترك البلاد أمام أزمة سياسية تضاف إلى أزمتها الأمنية. ولم تقتصر العملية العسكرية التركية ضد «العمال الكردستاني» على ضربات جوية على معاقل التنظيم في سورية أو العراق، بل توسعت أخيراً إذ سجل توغل لقوات تركية برية في شمال العراق، للمرة الأولى منذ عام 2011، في مطاردة للمتمردين الأكراد. ويتبنى «حزب العمال الكردستاني» الذي تأسس في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 1978، عمليات عسكرية منذ عام 1984 ضد القوات التركية بهدف «إنشاء دولة كردستان الكبرى المستقلة». واتخذ مقاتلوه من كردستان العراق منطقة تحمي قواعدهم الخلفية، وأقاموا تحالفاً مع «الحزب الديموقراطي الكردستاني» العراقي بزعامة مسعود البارزاني. وعام 2013 أوقف الحزب عملياته العسكرية بعد دعوة زعيمه المعتقل لدى السلطات التركية منذ 1999 عبدالله أوجلان، عقب مفاوضات أجراها من داخل سجنه مع مسؤولين في الاستخبارات التركية بهدف وقف النزاع المسلح الذي استمر عقوداً. وتتوجه الأنظار الآن إلى أوجلان على أمل إرسال دعوة جديدة تدعو إلى وقف النزاع على غرار ما حدث عام 2013، فيما يرى مراقبون أن دعوة مماثلة لن توقف الصراع خصوصاً أن قواعد اللعبة السياسية تغيرت في ظل ظهور لاعبين جدد مثل تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش)، بالإضافة إلى طموح «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي السوري بإنشاء حكم ذاتي كردي شمال سورية شبيه بإقليم كردستان العراق، ما يثير مخاوف الدولة التركية من مطالب مماثلة من أكراد الداخل، ويجعل الحل العسكري الخيار الوحيد المطروح حتى الآن.