طلب رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو المساعدة من زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان إثر أعمال الشغب التي قام بها الأكراد الأسبوع الماضي وقتل فيها العشرات، تعبيراً عن غضبهم لرفض أنقرة إنقاذ مدينة كوباني المعروفة بعين العرب من زحف تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) إليها. ويكشف الصراع السوري عن قوى داخل تركيا لا يملك الجانبان سيطرة كاملة عليها، ما يجعل الوقت ينفد أمام أنقرة لصنع السلام مع الأكراد. وقال أحد أفراد مؤسسة "جيرمان مارشال فاند" البحثية في أنقرة، أوزجور اونلوهسارجيكلي: "عملية السلام مضطربة من دون كوباني لأنها تقوض دعائمها أكثر وإذا سقطت يكون من الصعب التماسك". ويبدي الطرفان التزاماً بالسلام إلى الآن. وحث أوجلان السياسيين الموالين للأكراد على "محاولة تفادي المزيد من إراقة الدماء وإبقاء عملية السلام التي أطلقها مع أنقرة قبل عامين في مسارها". والتقى هؤلاء السياسيون بوزراء ووجهوا مناشدات هدّأت العنف. وأكد نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم بشير أتالاي أمس الخميس "التزام الحكومة بعملية السلام"، واعداً ب"اتخاذ المزيد من الخطوات في الأيام المقبلة". ولا تزال كلمة أوجلان مسموعة لكثيرين من أنصاره الذين يدللونه باسم "أبو" (اي الأب). وقال سائق سيارة أجرة يدعى مسلم بيلجيك (36 عاماً) وهو يدخن في مقهى ببلدة سروج التركية على بعد عشرة كيلومترات إلى الشمال من كوباني: "أبو هو كلُّ شيء بالنسبة إلينا وهو السبب في أن العالم كله يعرف الأكراد"، مضيفاً: "إذا سقطت كوباني ستندلع حرب أهلية في تركيا". ويلتقي وفد من الحزب الشعبي الديموقراطي الموالي للأكراد مطلع الأسبوع المقبل مع قادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل بشمال العراق قبل محادثات مع أوجلان على جزيرة إيمرالي، حيث محبسه الذي أودع فيه منذ 15 عاماً، يوم 21 تشرين الأول (أكتوبر). ويعطي استمرار ولاء حزب "العمال الكردستاني" لأوجلان الحكومةَ سبباً قوياً لتقدير شخص دأبت الصحف التركية يوماً على وصفه بأنه "قاتل أطفال". واعتاد الأتراك بعد إلقاء القبض عليه في كينيا العام 1999، على صور يظهر فيها مشتتاً معصوب العينين ومقيداً حوله أفراد ملثمون من القوات الخاصة التي نقلته جواً إلى تركيا. لكنه يظهر الآن في وسائل الإعلام التركية جَدّاً أشيب عطوفاً مبتسماً، في صورة التقطت له في السجن ونشرتها الحكومة. ونشر رسيم اوزان كوتاهيالي مقالاً في صحيفة "صباح" التركية، كتب فيه: "من أهداف سلسلة الإرهاب والعنف هذه إنهاء عملية السلام وترك عبد الله أوجلان يتعفن في السجن للأبد وإخراجه فعلياً من الحياة السياسية". وأحس أوجلان بإعلانه وقف إطلاق النار في آذار (مارس) الماضي وإصداره أوامره بانسحاب قواته إلى قواعدها في جبال شمال العراق، أن السلام هو فرصته المثلى للخروج من السجن. وكان للرئيس التركي رجب طيب أردوغان دور كبير في العملية. وشبّه نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينتش عملية السلام ب"الإمساك بالنار". وقال: "ألقينا بأنفسنا في هذا العمل الصعب وهو شبيه بضياع القوة." ويوضح كثيرون في أنقرة أن "إثارة استياء الأكراد على المدى القصير، عن طريق رفض إرسال قوات تركية عبر الحدود السورية لمساعدة أبناء عرقهم، هو ثمن ممكن دفعه لتفادي جر تركيا إلى الصراع في سورية". وبما أن صلات قوية تربط وحدات "حماية الشعب" الكردية بحزب "العمال الكردستاني"، فمن المستحيل -في رأي كثيرين في الحكومة التركية- السماح بوصول أسلحة إليها عبر الأراضي التركية، حتى في أنحاء أخرى من سورية. وقال تعليق حكومي إن "البلاد لا تفرق بين وحدات حماية الشعب وتنظيم "الدولة الإسلامية" الذي ارتكب مذابح وعمليات قتل أسفرت عن فرار200 ألف سوري كردي إلى تركيا، ما يعني أنه من شبه المؤكد أن يثور غضب أكراد تركيا. ويستشعر كثيرون في حزب "العمال الكردستاني" أن "تعاطف الغرب مع محنة أكراد سورية قد يحسن صورة الحزب في العالم ويعزز موقفه أمام أنقرة". وفشلت دعوة أوجلان الى الهدوء في "إقناع بعض المقاتلين، فهاجموا وقتلوا ضباط شرطة في إقليم بنجول". واشتبك متمردو حزب "العمال الكردستاني" مع قوات تركية على الحدود العراقية. وأفادت أنباء بأن "الحكومة ردت بأول غارات جوية لها منذ بدء محادثات السلام". ويشير منتقدو أوجلان، وهم من الأكراد، إلى أن "انسحاب مقاتلي حزب العمال الكردستاني منذ أن أعلن عن وقف إطلاق النار لم يسفر عن أي تنازلات ملموسة أو حتى مفاوضات جدية من جانب الحكومة". وقال رئيس مركز الدراسات الاقتصادية ودراسات السياسة الخارجية في إسطنبول، سنان أولجن: "الدور التاريخي الذي لعبه أوجلان ما زال يعطيه قدراً كبيراً من النفوذ لكنه آخذ في التداعي". وأوضح قيادي كبير في حزب "العمال الكردستاني" يدعى جميل باييك، وهو موجود في منفى على مرتفعات جبال قنديل العراقية، أنه يحمّل المسؤولية لحزب العدالة والتنمية عما يحصل في كوباني وعن الاضطرابات في جنوب شرق تركيا. وقال للتلفزيون الألماني: "حذرنا تركيا وإذا مضت في طريقها فإن مقاتلينا سيستأنفون حربنا الدفاعية لحماية شعبنا"، مضيفاً: " بعض المقاتلين الأكراد الذين انسحبوا من تركيا العام الماضي عادوا إليها". وأوقف قصف قوات التحالف تقدّم الإسلاميين، ما يحمل أنباء سارة للمدافعين الأكراد عن المدينة. وإذا لم يتوافر المزيد من السلاح والذخيرة لمساعدة الأكراد على الأرض، سيبقى مصير كوباني مجهولاً، وكذلك مصير عملية السلام. ويشار إلى أن نفوذ أوجلان وهو في محبسه يفوق نفوذه حين كان قائد تمرد كردي سقط فيه 40 ألف قتيل.