لم يتوقع إيفوري ويلسون، بائع صحيفة Street Sense (إحساس الشارع)، ان تجري صحيفة «واشنطن بوست» الكبيرة العملاقة لقاء معه، حول التغيير الذي أحدثته الصحيفة في حياته. فالرجل بدأ رحلة تشرّده بعمل «القوادة» (إدارة الدعارة) وتجارة المخدرات. وبعد خروجه من السجن، وجد نفسه في الشارع، منضماً الى حوالى 16 ألف أميركي يعيشون حياة التشرد يومياً في واشنطن، إلى ان تعرف إلى صحيفة «إحساس الشارع» وأصبح من كتابها وموزعيها... وانقلبت حياته كلياً. «إحساس الشارع»، صحيفة أميركية نصف شهرية وغير ربحية، تأسست في العاصمة الأميركية عام 2003، لرفع وعي الجمهور بقضايا المشردين والفقر، وتوفير فرص عمل لمن هم بلا مأوى. للصحيفة قصة نجاح مرتبطة بمؤسستها ومديرتها لورا تومبسون أوسوري. فإلى عملها مديرة تنفيذية، عملت أوسوري رئيسة تحرير، ومسؤولة عن تنظيم الموزعين وجلب التبرعات، قبل أن تتمكن الصحيفة من تعيين رئيس تحرير متفرغ لها، ورئيس لقسم الباعة، وأخيراً رئيس لقسم الإعلانات. أوسوري، في بداية ثلاثيناتها، أنجبت طفلها قبل 13 شهراً، ولم تتعد إجازة أمومتها العشرة أسابيع. وهي سريعة التعلم وشديدة الذكاء. عندما أسست الصحيفة مع زميلها تيد هنسون اعتمدت على ثلاث حقائق تكمل بعضها بعضاً: الأولى، ان ثمة بالضرورة بين عشرات آلاف المشردين كتاباً وشعراء وسياسيين وأصحاب رأي، وان الصحيفة يجب أن تعتمد على مساهمة هؤلاء الأشخاص في إعداد الوجبة الصحافية للجمهور، لكونهم الأقدر على نقل معاناتهم للقراء لتشكيل رأي عام ضاغط على صناع القرار في الكونغرس والحكومة لإعطاء هذا القطاع مساحة أكبر من الاهتمام. والحقيقة الثانية، ان هنالك مئات المؤسسات والشخصيات العامة ممن ترى في الفقر والتشرد في دولة غنية كالولايات المتحدة، ظاهرة تجب محاربتها لأنها لا تنسجم مع غنى البلد وإمكاناته وقيمه. وبالتالي فإن الصحيفة لديها فرصة جيدة لتلقي الدعم والمساعدة من هؤلاء، سواء كان بالكتابة المجانية أم بالمساعدة في طباعتها، أم حتى في تقديم التبرعات المالية... لتتمكن الصحيفة من الوقوف على قدميها. أما الحقيقة الثالثة، فهي ان الصحيفة لا يمكن أن تكون مميزة إلا إذا ساهمت بوسائل يمكن قياسها بالحد من ظاهرة التشرد. ونجاحها سيعتمد أساساً، ليس على قدرتها على التوزيع المجاني وجني الأرباح من الإعلانات، بل على حجم مبيعات الصحيفة وعلى تحويل عدد كبير ممكن من المشردين الى بائعين لها. وتالياً إيجاد فرص عمل لهم تمكنهم من استعادة الثقة بأنفسهم، بما يسمح لهم بالعودة إلى سوق العمل. بعد ست سنوات من العمل المتواصل، تفخر اسوري ومساعدوها بأن الصحيفة توزع في واشنطن 12 ألف نسخة، وبأنها تمكنت من تحويل 60 مشرداً الى بائعين للصحيفة، بعضهم انتقل من الملاجئ التي تخصصها الدولة لهم للسكن الموقت، أو من المنتزهات العامة، ومحطات المترو والبيوت المهجورة حيث يعيشون، إلى سكن خاص معتمدين على دخلهم من توزيع الصحيفة، وبعضهم حصل على فرص عمل جزئية أو كاملة أثناء عمله بائعاً لها. حجم دخل بائع الصحيفة ليس كبيراً. فهو في المتوسط يصل الى 40 دولاراً يومياً، لكنه يغطي الحاجات اليومية له. وبالنسبة إلى البعض، يكفي المبلغ للانتقال من الملجأ والاعتماد على الذات. وتبيع إدارة «إحساس الشارع» الصحيفة للموزعين بنسبة 25 في المئة من كلفة الصحيفة الفعلية التي تصل الى دولار. ويبيعها الموزعون بدولار أو اكثر في الميترو، وعلى جوانب الطرق المزدحمة في ساعات الذروة، وحتى في ضواحي واشنطن. ويوضح ويلسون، أن الناس عادة تكون أكثر سخاء في أعياد الميلاد، فأحياناً يحصل على 50 دولاراً ثمناً لنسخة واحدة. لكن على عكس ما قد يفهم من ذلك بأن المشترين يقومون بذلك فقط بهدف المساعدة فقط - وهذا استنتاج منطقي - إلا ان الإحصاءات التي أجرتها الصحيفة تشير الى أن 80 في المئة من المشترين يقرأون نصف عدد صفحات الصحيفة (16 صفحة)، وان 36 في المئة من المشترين يعملون في منظمات غير حكومية، و27 في المئة منهم موظفون حكوميون، فيما يتوزع الباقون على مهن مختلفة. وتعكس الأرقام الأخيرة الاهتمام المتزايد بظاهرة التشرد من جانب فئات مؤثرة في الرأي العام، وتعطي انطباعاً عن طبيعة الفئات التي تقرأ الصحيفة.