يواجه لبنان يوماً لا يقل سخونة عن حرارة الطقس المرتفعة والعاصفة الرملية التي تضربه حاجبة الرؤية في الشارع، حيث تستأنف هيئات الحراك المدني والشعبي تحركاتها الاحتجاجية طوال النهار، وفي المجلس النيابي، الذي يحتضن اجتماع 16 قيادياً من كتله البرلمانية، يشكلون «هيئة الحوار الوطني»، في ظل تعارض كبير في المواقف حول سبل إنهاء الفراغ الرئاسي الذي يشكل أصل الأزمات التي يعاني منها لبنان. وينقسم المتحاورون بين من يدعو إلى انتخاب رئيس للجمهورية (البند الأول في جدول الأعمال) في شكل عاجل، وهو موقف قوى 14 آذار، وبين دعوة رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون بتأييد من «حزب الله» وقوى 8 آذار، إلى وضع قانون انتخاب على قاعدة النسبية أولاً ثم إجراء انتخابات نيابية لينتخب البرلمان الجديد الرئيس العتيد، وإلا فانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب. (راجع ص 7) وتلتئم هيئة الحوار بطبعتها الثالثة بعدما فشلت جهود رئيس الحكومة تمام سلام ووزير الزراعة أكرم شهيب في التوصل إلى توافق على خطة عاجلة لمشكلة تراكم النفايات المنزلية في الشوارع كان أعدها الأخير، نتيجة عدم موافقة «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي عليها، وربطه موافقته باجتماع الحكومة لموافقة أطرافها على مرسوم بترقية عدد من الضباط من رتبة عميد إلى رتبة لواء لضمان بقاء صهره العميد شامل روكز في المؤسسة العسكرية بعد انتهاء مدة خدمته منتصف الشهر المقبل، مع إعطائه حق الإمرة على أفواج النخبة في الجيش، وهو ما رفضه سائر الأطراف، بمن فيهم الذين كانوا يسعون الى مخرج في شأن ترقية الضباط، لعله ينهي تعطيل عمل الحكومة. ويُنتظر أن تقتحم أزمة النفايات طاولة الحوار فيما الاحتجاجات على فشل الطبقة السياسية قائمة في محيط البرلمان، حيث دعت حملة «طلعت ريحتكم» إلى التجمع بالتزامن مع لقاء فرقاء الحوار. ولم تستبعد مصادر وزارية أن تدفع العراقيل أمام تنفيذ خطة شهيب العاجلة، الرئيسَ سلام إلى طرح الموضوع على المتحاورين اليوم، باعتباره «ملفِّي الاول»، كما نُقل عنه ليل أمس، من زاوية عدم استعداده لتحمل استمرار تعطيل سعي الحكومة لحل الأزمات المعيشية الملحة، خصوصاً أن سائر الفرقاء لا يريدون استقالة الحكومة التي كان لوح بها قبل أسابيع، مخافة الفراغ الكامل في السلطة بغياب رئيس الجمهورية. واستبق عون الموقف أمس، بقوله عن خطة شهيب إن «لا برنامج متكاملاً» فيها، معتبراً أن ترك الأمر (في الخطة) للبلديات يعني الفوضى»، وواعداً بطرح خطة متكاملة، ما رأت فيه مصادر وزارية تأجيلاً لحل مشكلة النفايات ربطاً بمطلبه ترقية الضباط. وكرر المطالبة بإجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية. وفيما اعتبر نائب الأمين العام ل «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، أن الحل للأزمات يكون «بإعادة إنتاج السلطة» عبر قانون انتخاب على النسبية ولبنان دائرة انتخابية واحدة، ردّ رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل على عون متسائلاً: «هل استفاق البعض الآن ليقول إنه سيقدم خطة للنفايات بعد أن مضى عليها أسابيع في الشارع؟». ودعا سلام إلى أن يضرب يده على الطاولة، «فنحن غير مستعدين لأن نكون شهود زور في حكومة غير قادرة على نزع النفايات». وأيد خطة شهيب، مشيراً إلى أن «هدف البعض هو الابتزاز والتعطيل الدائم». ووضع للحوار هدفاً أول هو انتخاب الرئيس، مطالباً بري بحصر جدول أعماله به، ثم تغيير الحكومة، ثم المجلس النيابي. ورأت كتلة «المستقبل» النيابية أن «المطلب الوحيد القابل للتحقيق الفوري هو انتخاب رئيس للجمهورية، ما يؤدي حكماً ودستوراً إلى حكومة جديدة وقانون جديد للانتخابات». ورأت الكتلة أن «الاستمرار في حال المراوحة وعدم المبادرة إلى حسم مسألة الشغور الرئاسي يضغطان سلباً في الاتجاهات السياسية والأمنية كافة، ويعمقان حالة التراجع الاقتصادي التي تقض مضاجع اللبنانيين وتهدد مستقبلهم، لاسيما أن معظم المؤشرات الاقتصادية أصبحت تشير إلى اتجاهات سلبية، سرعان ما قد تتحول إلى مستويات خطرة إذا ما استمر ترف التعطيل السياسي ضارباً ومسيطراً على تصرفات حزب الله والتيار الوطني الحر والقوى الحليفة لهما المحمية بالسلاح الخارج على الإجماع الوطني وعلى القانون و روحية العيش المشترك». وهاجمت الكتلة الحملات التي يشنها إعلام «حزب الله» على وسط بيروت وشركة «سوليدير»، مشيرة إلى حقد أسود على وسط العاصمة. وإذ حيت الكتلة الحراك المدني والشبابي المنتفض على الشلل الذي في الدولة، تبنت الدعوات إلى استئصال الفساد، معتبرة أن «مرتبة حزب الله في الفساد تفوق كل التصورات، فإقامة مناطق نفوذ طائفي على حساب الدولة فساد».