إختتمت في مدينة سوسة الساحلية الدورة الرابعة من «ليالي متحف سوسة»، هذه التظاهرة التي أرست تقاليد جديدة للفنّ في تونس. وأكد المنظمون أنّ الهدف الأساس من إطلاقها كان تفعيل دور المتحف من مجرّد مزار إلى فضاء للعروض الفنيّة الكبرى، فضلاً عن كون المهرجان ينتظم في فصل الصيف حيث تزداد أعداد زوّار جوهرة الساحل سواء من التونسيين أو الجزائريين أو الأجانب. وشهدت دورة هذا العام حضوراً كبيراً للجمهور الجزائري، حيث يقضّي عشرات الآلاف عطلهم هنا. وفي سياق تأكيد دور الفنّ في مكافحة الإرهاب وبعد أكثر من شهر من العملية الإرهابية التي حصدت أرواح عشرات الإنكليز في أحد فنادق سوسة، جاءت «ليالي المتحف» لتؤكد أن «تونس أقوى من كل أشكال الإرهاب وأبعد ما تكون عن أهداف صنّاع الظلام والموت...»، هكذا يرى المنظمّون وهكذا دارت فعاليات التظاهرة التي باتت بعد أربع سنوات على انطلاقتها مقصداً لعشّاق الفنون ذوي الذوق الرفيع بعدما تشهده المهرجانات التونسية والدولية خصوصاً من تراجع على مستوى الإختيارات التي أثارت ردود فعل متباينة هذه السنة. وبعد تأجيلها بسبب الأمطار الغزيرة، اِنطلقت العروض بعد ليلة واحدة، تابع خلالها الجمهور عرضين متتالين، فقدم الجزء الأول الفنان قيس المليتي ومجموعة «djerba International»، تبعه عرض «نادي الجاز بتونس» بقيادة الفنان عمر الواعر. وتميّز عرضا الإفتتاح بحضور جماهيري كبير رغم التخوّفات من سوء الأحوال الجوية، جمهور نوعيّ حضر ليستمتع بدرر من موسيقات العالم. مقطوعات موسيقية تحمل مزيجاً من موسيقات مختلفة في أداء متناغم شدّ إليه الجمهور رغم اختلاف الأعمار والذائقة، فالموسيقى كانت تنساب مثل نبع والإيقاعات كانت أشبه بأحلام ولذيذة. عرض آخر شدّ إليه الجمهور قدمه الأخوان الغربي، وتضمّن مقطوعات حديثة التلحين ستصدر في الألبوم الثاني لهذا الثنائي الشاب خلال الأشهر المقبلة، بمشاركة الفنانة الشابة أسماء العثماني. وحضرت الفنانة التونسية المقيمة في باريس عبير نصراوي، بعمل مشترك مع الفنان خالد بن يحيى، وقدّما برفقة عدد من العازفين والمنشدين عرضاً حمل عنوان «تسنيم». العرض تواصل على أكثر من ساعة ونصف الساعة قدمت خلاله المجموعة عديد الوصلات في الإنشاد الديني بعضها من ألحان بن يحيى وبعضها أعاد توزيعها. عرض غلب عليه الطابع الروحي، وكان أقرب إلى تجليّات صوفية جمعت بين أصالة الجمل الموسيقية وطرافة البحث والتجديد والسعي نحو تقديم عمل جديد. ما ميّز «تسنيم» أنه راوح بين الموسيقى والغناء، فكان أقرب لحالات من التمهّر على الآلات الموسيقية التي اعتمدها بن يحيى وهي العود والقانون والكمان والكونترباس فضلاً عن آلات الإيقاع. وقدّم بن يحيى وصلة مغربية ومن ثم مقطوعة «1976» من ألحانه و»بشرف تركي» على مقام البيات في إعادة توزيع، و«TGM» و«الشيميني» على مقام الحجاز و«حزب التوسل» واختتم الأمسية ب«العادة التونسية». ولعل طرافة عرض «تسنيم» تكمن أساساً في أن الملحن والموسيقي خالد بن يحيى تعمد في هذا العرض أن يكون الطابع الموسيقي طاغياً على الطابع الغنائي، عكس ما هو مألوف بالنسبة للموسيقى التونسية التي يسيطر فيها الجانب الغنائي على الجانب الموسيقي. فالعمل وفق بن يحيى هو نفس صوفي وليس عرضاً صوفياً كاملاً بالمعنى المتعارف عليه وهذا العرض يفسح المجال أمام تقديم وصلات موسيقية روحية. وكانت «ليالي متحف سوسة» فرصة أيضاً ليكتشف الجمهور عدداً من المواهب الشابة في الغناء والتمثيل، من خلال عرض «بطاقة هويّة» للطاهر بن عيسى ورانيا الجديدي والذي حمل الحاضرين في رحلة إلى تداعيات ما حدث في تونس بعد 14 كانون الثاني (يناير)، وغربة بعض شباب تونس وضياعه بين أصالته ومحاولاته التموقع في سياقات جديدة فرضتها فوضى الثورات العربية، ليبقى السؤال مطروحاً حول هوية نسبة كبيرة من الشباب الذين مازالوا في صدد البحث عن ذواتهم من خلال تعبيرات فنية ترواح بين الإلتزام والإبتذال. كما قدمت فرقة المعهد الرشيدي بسوسة السهرة قبل الأخيرة من التظاهرة التي أرست تقاليد جديدة في الجهة وبخاصة على مستوى الاِختيارات الموسيقية واختيار الفنانين الذين يؤثثون سهراتها. اختتام الليالي كان تحت زخّات المطر وأنغام البيانو مع العازفة الشابة سلمى الباروني التي عزفت عدداً من المقطوعات الموسيقية لمؤلفين عالميين مثل شوبان وبيتهوفن وموتسارت.