يسعى منظمو مهرجان «موسيقات» الذي يفتتح غداً في مركز الموسيقى العربية والمتوسطيّة في تونس، لتأتي دورة هذه العام على قدر النجاح الذي حقّقته الدورات الأربع الماضية خصوصاً في لفت انتباه الجمهور إلى مخزون موسيقي لم يحظَ على رغم ثرائه، باستثمار و «تنقيب» كافيين من قبل المهرجانات أو الجهات المتخصصة. ويُعنى مهرجان «موسيقات» بالموسيقى التقليدية وتلك المستحدثة التي تُلتهم من التراث. ويرى المنظمون أنه «إذا كان الهدف الأول من المهرجان التعبير عبر الموسيقى المقترنة بثقافة وطنية أو إقليمية أو منطقة جغرافية معينة، فإن الهدف الثاني يتمثل في إنتاج وإحياء الموسيقى التقليدية مع احترام المكتسبات والتراكمات السابقة، وبالتالي تبادل خبرات مجموعة من موسيقيي المنطقة يشتغلون على تنوع موسيقي بات مهدداً نتيجة لتيار التنميط الجارف والعولمة الزاحفة». أصوات نسائية من العالم تخصّص الدورة الخامسة حيزاً كبيراً للنساء في برمجتها. ويبرر المنظمون ذلك «بأنّهن أكثر ارتباطاً بثقافاتهن وتجذراً فيها، ولعلهن أقدر على الحفاظ على التقاليد وصونها». أما المشاركات فهنّ باباني كوني (من مالي) التي تعتبر سفيرة لموسيقى شعب الماندانغ الذي استوطن غرب أفريقيا، واللبنانية غادة شبير التي تجمع بين البحث الأكاديمي والممارسة الموسيقية. كما تكتشف التظاهرة مدونتين موسيقيتين تراثيتين، الأولى ذات طابع روحي ديني هي التراتيل السريانية، والثانية دنيوية، وهي فن الموشح. وستكون التركية صباحات أكيراز من أبرز الضيفات، كونها حاملة لواء أحد أعرق وأقدم التقاليد في آسيا الصغرى وهي التقاليد العلوية البكتاشية، والتي تركز اهتمامها من خلال العمل الميداني والعروض الموسيقية على الأغاني الفولكلورية وألوان الإنشاد المتخصصة بها أعماق بلاد الأناضول. أما الإرلندية ماريان غرين القادمة من بلاد السلتيين فستقدم عرضاً يجمع بين الموسيقى والغناء والرقص. فضلاً عن التشيلية ماريانا مونتالفو التي تعمل منذ سنوات على البحث في أغوار التقاليد الموسيقية لأميركا الجنوبية وخصوصاً الموسيقى التشيلية، كما تعمل على تلحين قصائد كبريات شاعرات أميركا اللاتينية. وتستضيف الدورة أيضاً رباعي بلقاناس، وهنّ تشكيلية نسائية تسعى إلى تخليد التقاليد الإنشادية العتيقة لبلغاريا. ولن تقتصر عروض «موسيقات 2010» على الأصوات النسائية فحسب بل سيتابع الجمهور عدداً من أصوات الفنانين الرجال أيضاً، إضافة إلى عدد من العازفين لآلات تحتل مكانة مرموقة في ثقافات بلادهم الموسيقية ومنها العود الشرقي والسيتارة الهندية، وغيرها من الآلات التي باتت تراثية. ومن بين هؤلاء الكردي شيفان بروار الذي يتحدّر من تقاليد القوّالين الجوّالين، الذين يجوبون القرى والمناطق الجبلية في كردستان، ومجموعة «لي كورديل لأبلانا» وهي جوقة إنشادية رجالية من مرسيليا تسعى إلى إعادة إحياء تقاليد الإنشاد في منطقة بروفانس الفرنسية التي طواها النسيان. ومن بين العازفين المنفردين يستضيف «موسيقات» عازف السيتارة شهيد برفيز خان الذي يتحدّر من سلالة موسيقيين تعود إلى سبعة أجيال متعاقبة، وعازف العود اليمني المتميز أحمد فتحي صاحب اللون الخاص. وتمثّل تونس في هذه الدورة الجديدة مجموعة الفنان زهير قوجة صاحب التجارب المتعددة في التعامل مع المخزون التراثي، والذي سيقدم عرضاً يسعى إلى إبراز العلاقة الوطيدة بين الأنماط الموسيقية التونسية والأنماط الموسيقية المغاربية والصحراوية في شكل خاص، من خلال مجموعة من «نوبات» السطمبالي وسلسلة من أغنيات تراثية تونسية جهوية. رُشح لجائزة «يونيسكو» تجدر الإشارة إلى أنّ مهرجان «موسيقات» يواصل دعم روابط الشراكة والتعاون مع مؤسسات ومهرجانات مماثلة ذات صيت عالمي ومن بينها جمعية «ايكيم» في مرسيليا التي تنظم مهرجان «الموسيقى المقدسة»، ودار ثقافات العالم في برلين. أما الهدف من ذلك فهو انخراط المهرجان ضمن «شبكة» من شأنها أن تزيد في إشعاعه الدولي وتكون حيزاً لتبادل الخبرات والتواصل مع الآخر. كما لا بد من التذكير بأنّ وزارة الثقافة والمحافظة على التراث التونسية رشّحت مهرجان «موسيقات» للجائزة التي تمنحها «يونيسكو» سنوياً لمؤسسة أو مهرجان يعمل جاهداً من أجل الحفاظ على التنوع الثقافي.