يبدو أن البوح الإلكتروني له وقع محبب لدى كثر من رواد موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، على رغم أن بعضهم يرى أن غالبية هذا البوح ليس سوى «عبث افتراضي»، طالما أن وتيرته تأخذ طابعاً تنطلق فيه المشاعر بحرية، من دون قيد يكشف هويتها الشخصية. ويمتزج في هذا البوح، وفقاً لمتابعين، الكلام الحسن بالسيء، وثمة من أصحاب النكتة وحب الفكاهة من تجذبهم هذه الأجواء، فيعلّقون بعبارة ضاحكة تارة، أو يسخرون بأخرى، إلى أن تكتنز قوالب ثرثرة التواصل الإلكتروني بالجد والهزل. وفي متابعة لمحتوى ما يطرحه مجتمع العالم الافتراضي، بين المنتديات العامة وبين موقع «تويتر»، تدور عجلة الزمن فيصبح الأمس حاضراً في مشهد تتكرر معه فكرة بث خلجات النفس. في عصر يجد فيه الشباب صعوبة في الحصول على من «يفضفضون» إليه على أرض الواقع. وعلى رغم اتهام مغردين كثر موقع «تويتر» بالخداع وعدم الصدقية في محتوى معظم حساباته، إلا أنهم يعودون إليه بين فترة وأخرى مُطلقين «هاشتاغات» متنوّعة، يبثون عبرها أحاسيسهم ورغباتهم وأحلامهم، وأحياناً كثيرة ثرثرة بلا معنى كنوع من الترويح عن النفس، وكسر حدة الفراغ الواقعي بملئه انشغالاً افتراضياً. وفي حقيقة الأمر ما يحدث هروب من فراغ إلى فراغ آخر، كما يرى بعضهم. في حين يتمنّى آخرون أن يتخلّصوا من إدمانهم «تويتر»، والانفكاك عنه من غير رجعة. وفي هذا الشأن، قالت الأكاديمية أسماء الميرغني، في تغريدة سابقة لها عبر حسابها في «تويتر»: «إن الشعوب العربية لا تجيد استخدام الحرية، فهي تتهاون وتتجاوز، لذلك لا بدّ لها من ضبط رقابي لكبح جماح الهمجية في استعمال الحريات»، مشيرة في تغريدة أخرى إلى أن إحدى طالباتها أعدّت دراسة بحثية حول وسائل التواصل «تويتر نموذجاً»، خلصت فيها إلى ضرورة ربط المعرفات بالهوية. ويختلف برنامج «سناب شات»، الذي انتشر بين السعوديين في شكل واسع عن «تويتر»، في كونه يقتحم خصوصيات صاحب الحساب برضا منه أو عدمه، ومشاركة هذا البوح المرئي مع الآخرين من أصدقاء وفضوليين، إذ يُظهر ما يود إظهاره للمجتمع عبر لقطات لا تزيد مدتها عن بضع ثوان. إلا أن بعضهم لا يزال حذراً من استخدام تطبيق «سناب شات»، خصوصاً مع ما يُشاع عنه في ما يتعلّق بسهولة اختراق خصوصيته. ودونّ صاحب المعرّف «جنون الحب» على موقع «تويتر» أنه يكتب، ولأنه وحيد وجد نفسه يبوح. أما عبير فكتبت أن أمورها الخاصة والسرية التي تبوح بها عبر الفضاء الإلكتروني لا يمكن أن تفصح عنها لأي شخص كان «حتى وإن توفيت، تُدفن معي أسراري وخفاياي». فيما تذكر شهد أنها تميل إلى «الفضفضة» عبر تغريدات لا تكشف هويتها وتتبادل النصائح والمشورة بمشاركة أفراد من المجتمع الافتراضي. فيما ترفض مشاركة أشيائها الخاصة وأسرارها السلبية كما تقول مع محيطها الاجتماعي في عالم الواقع، كي لا تصبح في نظرهم «ضعيفة» أو «سيئة». وعوّل أستاذ علم الاجتماع في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور منصور العسكر، توجّه الشباب إلى البوح بمشاعرهم عبر العالم الافتراضي إلى «حب الظهور». وقال: «رغبة حب الظهور تدفع الإنسان البسيط إلى أن يتخذ وسائل التواصل الاجتماعي منبراً له، فيختلق قصصاً خيالية أو واقعية، ويضيف إليها شيئاً من خياله، لتصبح مثاراً لاستغراب المجتمع الافتراضي». وزاد: «يعيش أبناؤنا سذاجة اجتماعية، أفرزت ثقة زائدة في مواقع التواصل الاجتماعي، ناتجة من ضعف تحمل المسؤولية فيما يتعلّق بمدى تأثير هذه القصص على الصورة النمطية التي تعكسها الأحداث على البيئة الاجتماعية، خصوصاً في المجتمع السعودي». وصنّف هذا البوح «نوعاً من ثقافة الغرفة التي يتواصل فيها الأفراد في ما بينهم إلكترونياً، على اختلاف أنواعهم وأجناسهم». وعلى رغم عدم خلو وسائل التواصل عبر الشبكات الاجتماعية من النفاق والخداع والكذب، إلا أن له جانباً إيجابياً، بحسب أستاذ علم النفس التربوي المشارك في جامعة طيبة بالمدينة المنورة الدكتور حسن ثاني، الذي قال: «إن هذا النوع من التواصل يعطي الشخص المتقوقع على نفسه فرصة التعبير عن ذاته واكتشافها»، معتبراً الحوار مع الآخر بمثابة «حوار مع الذات بالنسبة لهذا النوع من الناس». وأضاف ثاني: «بعض الشباب يقبل على الانخراط في المجتمع الافتراضي لأنه يشعر أنه في مأمن من أن يخضع لحكم أو تقويم الغير، كما يحدث في التواصل الواقعي»، لافتاً إلى أن «الثقة ليست مطلباً في هذا العالم الخيالي الذي يتسع فيه سقف الحرية مع حماية للنفس». وزاد: «حرية تجعل البعض يظهر شخصيته الحقيقية وينكشف معدنه، فيشتم، ويسب مستخدماً العبارات غير اللائقة، بينما تقيّده القيم الاجتماعية من أن يفعل المثيل على أرض الواقع».