بعد تراجع الخطر الذي كان يهدد ألمانيا وأوروبا في حال إخراج اليونان من منطقة اليورو، استعاد الاقتصادان الألماني والأوروبي حيويتهما، وكذلك اليورو، وعدّل بعض خبراء الاقتصاد والمال توقعاتهم المستقبلية على المدى المتوسط من التشاؤم إلى التفاؤل الحذر. وفي ما يتعلق بوضع الاقتصاد، لا يزال بعض الألمان على اقتناع بأنهم ثبّتوا أقدامهم في محيط أوروبي يعاني من مصاعب بسبب الأزمة المالية في دول منطقة اليورو منذ سبع سنوات. وعلى رغم تراجع الخطر الداهم الذي يهدد في الدرجة الأولى دولاً عدة مثل إرلندا والبرتغال وقبرص وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا، لا تزال الأزمة اليونانية في مخاض عسير وهي تشد الخناق على الجميع. لذلك يربط خبراء كثر الانتعاش المُنتظر في ألمانيا وأوروبا هذه السنة وفي 2016 بالاتجاه الذي ستتخذه الأزمة اليونانية في الفترة المقبلة، خصوصاً عشية المفاوضات التي ستجرى بين أثينا ودائنيها الأوروبيين والدوليين لتحديد أسس البرنامج الثالث من المساعدات المالية وضوابطه. وربط مدير «معهد الاقتصاد الكبير وبحوث النمو» الألماني، غوستاف هورن، القريب من النقابات العمالية، بين الأمرين بقوة قائلاً: «إن تدهور الوضع المالي في اليونان يمكن أن يقضي مبكراً على حركة الإنتعاش الحاصلة هذه السنة والمتوقع استمرارها في 2016 أيضاً»، خصوصاً أن خطر امتداد العدوى اليونانية إلى دول أوروبية «حقيقي». وأوضح أن توقعات المعهد للنمو الاقتصادي في ألمانيا «مرهونة مباشرة بمدى القدرة على حل أزمة اليونان وتمكين البلد من تسديد ديونه على المدى البعيد»، علماً أن «صندوق النقد الدولي» يعتقد بأن البلد لن يكون قادراً على تسديد كامل ديونه التي ستصل إلى نحو 400 بليون يورو في حال لم يُتفق على شطب الجزء الأكبر منها، ما لا توافق عليه ألمانيا حتى الآن لأنها ستكون الخاسر الأكبر بسبب تحملها ثلث هذه المبالغ. ولفت هورن إلى أن خبراء معهده يتوقعون في حال تسوية الوضع اليوناني، أن يحقق الاقتصاد الألماني 2 في المئة نمواً هذه السنة، و2.2 في المئة عام 2016، وأن تبقى البطالة في البلاد تحت عتبة ال 2.8 مليون شخص في العام الحالي و2.7 مليون شخص العام المقبل. أما في دول منطقة اليورو فتوقع الخبير تحقيق نمو وسطي من 1.4 في المئة هذا العام و2.1 في المئة العام المقبل، عازياًً تفاؤله هذا إلى واقع تخفيف نهج التقشف المتشدد الذي اتبع في عدد من دول اليورو مثل إسبانيا وإيطاليا أخيراً. ومعلوم أن النقاش لم ينته ولم يحسم نهائياً بعد بين مؤيدي نهج التقشف المتشدد للخروج من الأزمة وعلى رأسهم ألمانيا، ومؤيدي نهج التوفيق بين التقشف والإصلاحات البنيوية المطلوبة من جهة، ونهج الاستثمار لتحريك الاقتصاد وتأمين النمو، وعلى رأسهم فرنسا وإيطاليا. وتوقع «اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية» أن تحقق ألمانيا معدل نمو مرتفعاً هذه السنة يبلغ 1.8 في المئة، وألا تتجاوز البطالة فيها مستوى 2.79 مليون شخص. وأظهر استطلاع سنوي يجريه الاتحاد مطلع كل صيف بين خبراء فروعه الثمانين في البلد «أن النمو مستمر في ألمانيا، إنما من دون ابتهاج» بسبب استمرار الأزمة المالية في منطقة اليورو. وأشار إلى أن الشركات الألمانية «مرتاحة إلى وضعها الحالي، خصوصاً في قطاع البناء»، وأن الوضع الصناعي يتحسن بفضل الطلبات من الخارج والاستهلاك المتنامي في الداخل بفضل ضمان فرص العمل، والزيادات على الأجور، ورخص السلع، ما يُنعش التجارة الداخلية أيضاً، خصوصاً بسبب استمرار الفائدة المنخفضة. ولحظ الاستطلاع أيضاً أن الشركات الألمانية تنظر بتفاؤل أكثر فأكثر على المدى المتوسط، مشيراً إلى أن بقاء سعر النفط على مستوى منخفض وسعر اليورو منخفضاً، يفيدان الصناعة الألمانية المعتمدة على التصدير بأسعار مزاحِمة في الخارج، ما يرفع حجم الصادرات الألمانية التي عادت تبيع كميات أكبر في الولاياتالمتحدة كما في دول منطقة اليورو بعد بدء مرحلة انتعاش جديدة فيهما. لكن الشركات الألمانية أعربت في الاستطلاع من جديد عن قلق كبير من تراجع الميزان التجاري مع روسيا بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. أما الصين التي تعاني هذه السنة من تراجع معدل النمو فيها إلى أقل من 7 في المئة، فمن المنتظر أن تسجّل الصادرات الألمانية إليها ارتفاعاً بسيطاً عن العام الفائت. وتوقع الاستطلاع كذلك زيادة الشركات الألمانية استثماراتها في مختلف القطاعات الإنتاجية وزيادة فرص العمل فيها بفضل المؤشرات الإيجابية المنتظرة.