انخفاض في وفيات الإنفلونزا الموسمية.. والمنومون ب«العناية» 84 حالة    اكتفاء ذاتي وفائض    وزير الخارجية من دافوس: علينا تجنّب أي حرب جديدة في المنطقة    الهلال يتصدر.. و«الدون» ينتصر    سكان جنوب المدينة ل «عكاظ»: «المطبّات» تقلقنا    محافظ الخرج يزور مهرجان المحافظة الأول للتمور والقهوة السعودية    10 % من قيمة عين الوقف للمبلّغين عن «المجهولة والمعطلة»    الرياض تستعد لمؤتمر«ليب»    وفاة الأمير عبدالعزيز بن مشعل بن عبدالعزيز آل سعود    الرئاسة الفلسطينية تدين تصاعد اعتداءات المستوطنين بالضفة الغربية    إنستغرام ترفع الحد الأقصى لمقاطع الفيديو    قطة تتقدم باستقالة صاحبتها" أون لاين"    أبواب السلام    خادم الحرمين وولي العهد يُعزيان الرئيس التركي في ضحايا حريق «منتجع بولو»    سيماكان: طرد لاعب الخليج «صعّب المباراة»    دوري" نخبة آسيا" مطلب لجماهير النصر    في الجولة 18 بدوري" يلو".. الباطن في مواجهة العين.. وأحد يصطدم بالحزم    سباق درب العُلا 2025 المنتظر يعود نهاية الأسبوع    وفد "الشورى" يستعرض دور المجلس في التنمية الوطنية    تعديل قراري متطلبات المسافات الآمنة حول محطات الغاز.. مجلس الوزراء: الموافقة على السياسة الوطنية للقضاء على العمل الجبري بالمملكة    ولي العهد يرأس جلسة مجلس الوزراء    المكاتب الفنية في محاكم الاستئناف.. ركيزة أساسية لتفعيل القضاء المؤسسي    علي خضران القرني سيرة حياة حافلة بالعطاء    إيجابية الإلكتروني    شيطان الشعر    حماية البيئة مسؤولية مشتركة    تأسيس مجلس أعمال سعودي فلسطيني    كيف تتخلص من التفكير الزائد    عقار يحقق نتائج واعدة بعلاج الإنفلونزا    المملكة تُطالب بقيام دولة فِلسطينية    الرئيس ترمب.. و«إرث السلام»!    "رسمياً" .. البرازيلي "كايو" هلالي    الدبلوماسي الهولندي مارسيل يتحدث مع العريفي عن دور المستشرقين    بيتٍ قديمٍ وباب مبلي وذايب    يا كثر زينك لو انك ما تزينتي    تأملات عن بابل الجديدة    حفل Joy Awards لا يقدمه إلا الكبار    محاذير المواجهة ضد قسد    خطة أمن الحج والعمرة.. رسالة عالمية مفادها السعودية العظمى    سوق العيون في المدينة.. ساحة عرض الأسر المنتجة    بيع المواشي الحية بالأوزان    ضبط تسع شركات استقدام مخالفة    متلازمة بهجت.. اضطراب المناعة الذاتية    دهن سير الشهرة بزيت الزيتون    جامعة الأمير سطام تُتوج بكأس الجامعات لكرة القدم "ب"    في جولة "أسبوع الأساطير".. الرياض يكرّم لاعبه السابق "الطائفي"    مفوض الإفتاء في جازان: المخدرات هي السرطان الذي يهدد صلابة نسيجنا الاجتماعي    سعود بن نايف يكرم سفراء التفوق    فهد بن محمد يرأس اجتماع «محلي الخرج»    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالعزيز بن مشعل    حرس الحدود بمكة ينقذ مقيمين تعطلت واسطتهما البحرية    37 برنامجًا ومبادرة لتمكين الصم وضعاف السمع بالشرقية    إنجازات مجتمعية ومبادرات نوعية خلال عام 2024 بالمنطقة الشرقية    ضبط 3.5 أطنان من الخضروات والفواكه ضمن حملة بنطاق بلدية العزيزية بجدة    نائب أمير تبوك يتسلم التقرير السنوي لفرع وزارة الموارد البشرية    انطلاق المرحلة الأولى من برنامج "سفراء المحمية"    برئاسة نائب أمير مكة.. لجنة الحج تستعرض مشاريع المشاعر المقدسة    محافظ جدة يطلع على برامج إدارة المساجد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تحقق منطقة اليورو لنفسها عبوراً آمناً؟
نشر في الرياض يوم 30 - 05 - 2012

أي مستقبل ينتظر منطقة اليورو، والعملة الأوروبية ذاتها؟. كيف تمضي التطورات في اليونان؟. وما هو التأثير الذي سيتركه على دول المنطقة انسحاب يوناني محتمل من العملة؟.وماذا عن إسبانيا، التي يفصلها ميل واحد عن الحالة اليونانية؟.
إطلاق اليورو
لقد بدأ في العام 1999 التداول باليورو في الأسواق المالية. وظهرت العملة الجديدة في الحياة اليومية لمواطني 12 دولة أوروبية، في كانون الثاني يناير 2002.
وتضم منطقة اليورو حالياً 332 مليون شخص، يقيمون في 17 دولة، بلغت فيها إجمالي الكتلة النقدية المتداولة 14.2 مليار ورقة مالية، و95.6 مليار قطعة نقدية، بقيمة تقارب 870 مليار يورو. وذلك وفقاً لمؤشرات منتصف العام 2011.
تقول المفوضية الأوروبية على موقعها الالكتروني: لقد أتاح اليورو "خيارات أوسع، وأسعاراً أكثر استقراراً للمستهلكين. والمزيد من الأمان والفرص للشركات والأسواق. كما أن العملة الجديدة تُعد مؤشراً ملموساً لهوية أوروبية".
من منظور عدد من المحللين الماليين، فإن اليورولم يكن سوى عنصر بين عوامل عدة حركة الاقتصاد الأوروبي الذي حقق أساساً اندماجاً واسعاً منذ معاهدة ماستريخت. ومن هذه العوامل إسقاط الحدود الجغرافية بين دول فضاء شينغن في العام 1993، وتوسيع الاتحاد الأوروبي إلى أوروبا الشرقية اعتباراً من العام 2004. وهذا كله فضلاً عن معطيات الموجة الجديدة من العولمة.
ويرى الخبراء الماليون أن اليورو قاد، منذ اعتماده إلى تحفيز التبادل التجاري بين الدول التي تبنته، وساهم في احتواء التضخم. بيد أن انعكاسه على النمو لم يكن بمستوى التوقعات، وذلك نظراً لقلة التنسيق بين السياسات الاقتصادية لمختلف الدول الأعضاء.
وبمعيار استقرار الأسعار، فان حصيلة تبني اليورو تعد ايجابية، حيث بقي متوسط التضخم عند حدود 2%. واستفادت دول جنوب أوروبا مسجلة تضخماً ضعيفاً، بالمقارنة مع توجهها التاريخي. ويُعد هذا تقدماً كبيراً. كما أن زوال مخاطر تقلب أسعار العملات عزز اندماج السوق الأوروبية.
وبموازاة ذلك، يرى هؤلاء الخبراء، أن معدلات الفائدة قد سجلت انخفاضاً كبيراً، بفضل تثبيتها لجميع دول منطقة اليورو بمستوى الفوائد الممنوحة للدول الأكثر ملاءة مثل ألمانيا، بما في ذلك بالنسبة للدول التي كانت تقترض بنسب عالية. وهو ما كان ضمن أهداف اعتماد اليورو. وقد تراجعت معدلات الفوائد الفعلية بعد تصحيحها على ضوء نسبة التضخم بشكل كبير.
ويرى المحللون الماليون أن من فوائد اليورو الأخرى أنه جعل من المستحيل على الحكومات التي كانت تنتهج تخفيض سعر عملتها الاستمرار في هذا النهج. فتخلت إيطاليا عن الفكرة القائلة بأن في وسعها التعويض بشكل مصطنع عن قصورها في مجال القدرة التنافسية من خلال تخفيضات متعاقبة في سعر عملتها.
ولذا، اضطرت الدول والشركات نفسها إلى التعامل مع إنتاجيتها الحقيقية، ما جعل أي أخطاء في السياسة الاقتصادية أكثر جلاء وأعلى كلفة، لأن الدول لم تعد تملك إمكانية تخفيض العملة.
وكان حري بهذا الأمر أن يحض الحكومات على إجراء إصلاحات بنيوية، لتحرير أسواق المنتجات والعمل، إلا أن ذلك لم يحصل على نحو دائم.
وفي الدول التي احتفظت بنسب تضخم أعلى بقليل من المعدل، نتيجة حيوية اقتصادية، مثل إسبانيا، قادت هذه الظاهرة إلى ما يشبه في جوهره نسب الفوائد السلبية، التي شجعت على الاقتراض وأدت إلى فورة عقارية. وبما أن السياسة النقدية هي نفسها للجميع، فإن معدلات الفائدة الاسمية تكون متساوية، غير أن معدلات الفائدة الفعلية تتفاوت.
إن التدني الشديد في نسب الفوائد في أوروبا الجنوبية، الذي واكب الانتقال إلى العملة الموحدة، قد دفع الحكومات، وكذلك المؤسسات والأسر، إلى الإسراف في الاقتراض، في حين أن العديد من دول شمال أوروبا أساء تقدير المخاطر.
وفي المجمل، سلطت الأحداث التي نشهدها اليوم الضوء على الثغرات التي ظلت كأمن في الاتحاد النقدي، فاعتماد العملة الأوروبية لم يكن خطوة سيئة بحد ذاتها.
وعلى الرغم من كل ما نشهده، يشدد الخبراء على أن الخروج من اليورو يُمثل خياراً كارثياً، سيكون له وقع عاصف على المصارف الأوروبية، إذ سيترافق على الأرجح مع تدني قيمة عملات دول جنوب أوروبا المقترضة من هذه المصارف.
أما ألمانيا، التي ستسجل في مثل هذه الحالة ارتفاعاً كبيراً في سعر عملتها، فسوف تخسر الكثير من قدرتها التنافسية، الأمر الذي سينعكس على صادراتها، وسيتسبب بفقدان الكثير من الوظائف فيها.
الإفلات من الانكماش
على خلاف ما كان متوقعاً فقد نجت منطقة اليورو من الركود بصعوبة، إلا أن أزمة الديون استنزفت اقتصادي فرنسا وإيطاليا. وأدت لاتساع الفجوة مع ألمانيا.
ولم تسجل منطقة اليورو نمواً في الفصل الأول من العام 2012، بعد تراجع إجمالي الناتج المحلي بنسبة 0.3% في الفصل الأخير من عام 2011. وذلك وفق تقديرات أولية نشرها المكتب الأوروبي للإحصاء (يوروستات)، في 15 أيار مايو.
وهذا الرقم هو أفضل مما توقعه المحللون (ناقص 0.2%)، الأمر الذي أتاح لمنطقة اليورو البقاء خارج دائرة الانكماش. وهو يحتسب حين يسجل إجمالي الناتج المحلي تراجعاً لفصلين متتالين.
وكانت نتيجة من هذا القبيل ستمثل ثاني فترة انكماش لمنطقة اليورو في غضون ثلاث سنوات.
ويرى الخبراء أن المنطقة تبقى شديدة الارتهان لألمانيا، التي حققت نمواً قدره 0.5% في الفصل الأول من العام، بعد تراجع 0.2%، في إجمالي الناتج المحلي في الفصل السابق.
وخارج الحالة الألمانية، يُمكن ملاحظة أنه إذا كانت النمسا قد حققت في الفصل الأول نمواً من 0.2%، فإن نمو فرنسا جاء صفراً في المائة. وتراجعت هولندا بنسبة 0.2%، وإسبانيا بنسبة 0.3%. وغرقت إيطاليا في الانكماش، بتراجع نسبته 0.8%. أما اليونان فسجلت تراجعاً بنسبة 6.2%، وفق تقديرات رسمية أولية.
ويُرجح الخبراء الماليون أن يشهد الفصل الثاني من العام تراجعاً في إجمالي الناتج المحلي للمنطقة، إذ إن تصاعداً جديداً لأزمة الديون قد يعرقل الانتعاش المنتظر. وهذا دون الأخذ في الحسبان أيضاً تداعيات خروج اليونان المحتمل من منطقة اليورو.
ظروف المالية العامة
إلى ذلك، واصلت الضغوط التضخمية في منطقة اليورو الارتفاع، بفعل زيادة معدلات التضخم في ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا.
وتجاوز التضخم في منطقة اليورو المستوى المستهدف للبنك المركزي الأوروبي، الأمر الذي قلص فرص خفض أسعار الفائدة للمساعدة في تعزيز النمو.
وقد وجدت عدة دول أوروبية نفسها مرغمة على مواجهة تجاوز مالياتها العامة حدود التوازن المتفق عليه.
وهكذا، أعلنت إسبانيا في 27 شباط فبراير ارتفاع عجزها العام إلى 8.51% من إجمالي الناتج المحلي في 2011، في حين تعهدت بجعل هذا العجز عند 4.4% في 2012، و3% في 2013.
وأتت المفاجأة من هولندا التي وجدت نفسها ملزمة بتوفير مالي إضافي، بسبب تدهور في الأوضاع الاقتصادية فاق ما كان متوقعاً. ووفقاً للمكتب المركزي للتخطيط، يتوقع أن يبلغ العجز نسبة 4.5% هذا العام.
وإضافة إلى إسبانيا وهولندا، قد تواجه دول أخرى قريباً صعوبات في جعل مالياتها العامة تسلك الطريق القويم في الوقت المحدد. فقد رأى ديوان المحاسبة الفرنسي أن الهدف المتمثل في جعل العجز عند 4.5% هذه السنة سيكون "صعب المنال"، كما أن العودة إلى 3% في العام 2013 ستكون "أكثر صعوبة".
وفي الثاني من آذار مارس، وقعت خمس وعشرون من الدول الأوروبية معاهدة انضباط مالي جديدة بهدف منع الانزلاق في العجز. وتبنت هذه المعاهدة، التي طالبت بها ألمانيا، مقابل تضامنها المالي مع شركائها في منطقة اليورو، خمس وعشرون دولة، من أصل الدول ال27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ذلك أن بريطانيا وجمهورية التشيك لم توافقا عليها.
وتنص المعاهدة على "قواعد ذهبية"، تفرض توازن الحسابات العامة، إضافة إلى بند عقوبات تفرض بصورة تلقائية أكبر ضد الدول التي تتساهل حيال تخطي عجزها السنوي العام 3% من الناتج المحلي.
وفيما بدا تباين في مواقف دول اليورو، دعا اثنان من أعضاء الحكومة الفرنسية الجديدة، هما وزيرا الخارجية لوران فابيوس، والمالية بيار موسكوفيسي، إلى تعديل معاهدة الانضباط المالي. وقال موسكوفيسي، في 17 أيار مايو، إن فرنسا لن تبرم المعاهدة إذا لم يضف إليها بند حول النمو.
وكان رئيس البنك المركزي الأوروبي، ماريو دراغي، قد أعلن، في 18 كانون الثاني يناير، بأن أوروبا في وضع اقتصادي "شديد الخطورة". وأشار إلى أنه "خلال الشهور القليلة الأخيرة من عام 2011، أدى عدم اليقين بشأن استمرار السندات السيادية ومرونة النظام المالي، إلى جانب الآفاق الاقتصادية القاتمة، إلى اضطراب شديد في عمل الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي".
وقد خفضت وكالة التصنيف الائتماني "فيتش"، في 27 نيسان أبريل، درجة تصنيف الديون الطويلة الأمد في خمس من دول منطقة اليورو.
وتم تخفيض تصنيف إيطاليا درجتين، ليصبح (A-)، وتصنيف إسبانيا درجتين ليصبح (A)، وبلجيكا درجة واحدة ليصبح (AA)، وسلوفينيا درجتين ليصبح (A)، وقبرص درجة واحدة ليصبح (BBB-).
وكانت فيتش وضعت درجات هذه الدول تحت المراقبة، إضافة إلى درجة أيرلندا، التي تأكدت عند (BBB+). وقالت فيتش إن هذه التصنيفات تترافق مع "أفق سلبي"، ما يعني أنها قد تقوم بخفضها مرة أخرى.
خطط الإنقاذ المالي
في ظل هذه المعطيات، اتفقت دول منطقة اليورو، في 30 آذار مارس، في ختام مفاوضات شاقة، على تعزيز قدرة صندوقها للإنقاذ المالي، لتصل قيمته الإجمالية إلى 800 مليار يورو.
بيد أن هذا المبلغ لم يكن ليرضي جميع الأطراف، لأنه يشمل 300 مليار يورو منحت بالفعل، أو وعدت بها ثلاث دول هي: اليونان وأيرلندا والبرتغال. والنتيجة العملية هي أن هذا الحاجز الدفاعي لا تزيد قدرته الفعلية على الإقراض على 500 مليار يورو. وهذا هو الخيار الأقل طموحاً بين الخيارات التي جرى تداولها.
وكانت دول منطقة اليورو قد انقسمت بين أنصار خيار الحد الأقصى بهدف طمأنة الأسواق، وبين أنصار خيار الحد الأدنى، الذي دعمته خصوصاً ألمانيا وفنلندا.
لقد رفضت برلين زيادة طاقة الإنقاذ المالي إلى 940 مليار يورو، بجمع مبلغ الآلية الأوروبية للاستقرار إلى مبلغ الصندوق الأوروبي للدعم المؤقت. وهو ما كانت قد طالبت به منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وفرنسا والمفوضية الأوروبية.
وفي النهاية كان الخيار الذي اتخذ هو ضم ال500 مليار الخاص بالآلية الدائمة إلى ال200 مليار المقررة بالفعل للصندوق المؤقت، ليصل المبلغ بذلك إلى سقف 700 مليار يورو، تضاف إليها مائة مليار من القروض السابقة، التي منحت بالفعل، ليصل الإجمالي إلى 800 مليار.
وهكذا، جرى اعتماد الخيار الذي دافعت عنه ألمانيا.
وعلى الرغم من ذلك، يبقى هذا الاتفاق مخرجاً يسمح للدول ال17 بتلقي مساعدات من شركائها الدوليين.
وكان الأوروبيون وجهوا بالفعل، في نهاية العام 2011، نداء إلى دول أخرى من أجل منح صندوق النقد الدولي المزيد من الموارد.
ومن أجل نجاح تحركه، أكدت دول اليورو أنها ستقدم لصندوق النقد الدولي 150 مليار يورو، عملاً بما كانت قد التزمت به.
وفي تطوّر هو الأهم من نوعه، تعهدت مجموعة العشرين، في 20 نيسان أبريل، بتقديم أكثر من 430 مليار دولار لتعزيز قدرات صندوق النقد الدولي، وحماية الاقتصاد العالمي من تداعيات أزمة الديون في منطقة اليورو.
وإثر ذلك، قفزت طاقة الإقراض لدى الصندوق إلى أكثر من تريليون دولار. وهو وضع وصفته الجهات الدولية بالممتاز.
أزمة اليورو وسوق العمل
وبالعودة إلى التداعيات المحلية لأزمة الديون الأوروبية، أظهرت دراسة أعدها البنك المركزي الأوروبي أن الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم تواجه صعوبات في الحصول على تمويل من المصارف. وقالت الدراسة، التي شملت أكثر من 7500 شركة في منطقة اليورو، ونشرت نتائجها في أواخر نيسان أبريل، إن صعوبة الحصول على قروض قد تزايدت مع ارتفاع الطلب على التمويل، في الفترة من تشرين الأول أكتوبر إلى آذار مارس. وقال خمس الشركات إن الوضع ساء فيما يتعلق بحصولهم على تمويل من البنوك بالمقارنة مع 14% من الشركات قالت ذلك في دراسة سابقة. وأفادت الدراسة أن نحو نصف الشركات اليونانية شهدت تدهوراً في قدرتها على الحصول على ائتمان. والأمر نفسه بالنسبة ل 35% من شركات البرتغال وأيرلندا.
على صعيد تداعيات الأزمة على سوق العمل، سجل معدل البطالة في آذار مارس الماضي مستوى قياسياً. وبات على بعد خطوة واحدة من عتبة 11%، التي لم يبلغها على الإطلاق من قبل.
وأشارت معطيات، نشرها المكتب الأوروبي للإحصاء (يوروستات)، في 2 أيار مايو، إلى أن البطالة طاولت في آذار مارس 10.9% من اليد العاملة الفعلية في دول اليورو. أي أكثر من 17 مليون شخص.
ويعادل هذا المستوى ما كان قد تم تسجيله في نيسان أبريل من العام 1997، إلا أن البطالة لم تبلغ هذا الحد على الإطلاق منذ إنشاء منطقة اليورو.
وكما يشير الخبراء، تواجه الشركات في غالب الأحيان ضغوطاً للحد من التكاليف أمام طلب محدود، وهوامش ربح متراجعة، ومنافسة متزايدة، وآفاق اقتصادية غامضة.
وتتفاقم أزمة البطالة بمعدلات متسارعة، ففي غضون شهر واحد وجد 169 ألف شخص أنفسهم عاطلين عن العمل، أي ما يساوي 1.73 مليون شخص في غضون عام.
ومع ذلك، يبدو التفاوت كبيراً ضمن منطقة اليورو، بين أوروبا الجنوبية التي تواجه بطالة كثيفة، وأوروبا الشمالية حيث يتم التحكم بالظاهرة.
فقد سجلت النمسا مستوى بطالة في آذار مارس نسبته 4%، تلتها هولندا (5%) ولوكسمبورغ (5.2%) وألمانيا (5.6%). وفي الوقت نفسه، حطمت إسبانيا رقماً قياسياً جديداً مع معدل بطالة نسبته 24.1%. وفي اليونان، وصل معدل البطالة إلى 21.7%. وفي إيطاليا والبرتغال، يتدهور الوضع أيضاً مع 9.8% و15.3% من العاطلين عن العمل على التوالي.
ويرى محللون أن معدلات البطالة المرتفعة في أوروبا الجنوبية مرتبطة أساساً بعوامل هيكلية. إلا أنها تُشير، في الوقت ذاته، إلى التضحيات التي فرضتها خطط التقشف على المدى القصير.
تراجع التقديمات الاجتماعية
وبالتوازي مع تفشي البطالة واتساع نطاقها، أثرت أزمة الديون وتدابير التقشف على سياسة التقديمات الاجتماعية، التي اعتمدتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
ومنذ أكثر من عام، حلت خطط التقشف محل النفقات التي كانت دولة الرعاية الاجتماعية الأوروبية تخصصها لشبكة الأمان الاجتماعي. وباتت الدول تعمد إلى تدابير مثل "إصلاح" أنظمة التقاعد، وتخفيض المساعدات، وتجميد الإعانات والمعاشات، والحد من تقديمات الضمان الصحي.
وتختلف التدابير المتخذة من دولة إلى أخرى، ففي فرنسا أعلنت الحكومة عن إصلاح النظام التقاعدي، وإعادة تقييم التقديمات والمساعدات العائلية.
وفي أيرلندا، تم تخفيض المساعدات في مجالي الصحة والسكن. أما في البرتغال، فخفضت التقديمات العائلية بنسبة 25%. وفي إسبانيا ألغي "شيك الطفل"، الذي كان يقدم لكل ولادة.
وفي إيطاليا، التي خفضت المساعدات الاجتماعية، تعتزم حكومة ماريو مونتي إصلاح سوق العمل، واعتماد نظام "مرونة آمنة"، مستوحى من النموذج الدنمركي، الذي يُعطي الشركات هامشاً مريحاً لتسريح الموظفين. ويضمن، في الوقت ذاته، الأمان للموظفين المسرحين، من خلال منحهم تعويضات كبيرة.
ويتوقع أن تستوحي العديد من الدول الأوروبية هذا النموذج، لأنه كما يوصفه بعض الخبراء "يمزج بين الليبرالية وعناصر الدولة الراعية".
الأزمة اليونانية
بالانتقال من أزمة منطقة اليورو عامة إلى الأزمة اليونانية على وجه الخصوص، يُمكن القول إن أوروبا، التي تعيش وضعاً ضاغطاً في المجمل، باتت أنظارها متركزة نحو أثينا، التي غرقت في أزمة سياسية، بعد أن عززت انتخابات نيابية جماعات اليسار واليمين المتطرف. وجردت الأحزاب المؤيدة لخطط التقشف من أغلبيتها البرلمانية.
وقد تقرر إجراء انتخابات نيابية جديدة في 17 حزيران يونيو 2012، إثر إخفاق الأحزاب السياسية في تشكيل حكومة ائتلاف وطني. ويرجح أن تفوز في الانتخابات القادمة الجماعات الرافضة لخطط التقشف، والمنادية بالخروج من منطقة اليورو.
وقد بدأت بنوك في أوروبا، وفي أنحاء أخرى، تستعد لاحتمال العودة إلى الدراخما، وهي العملة التي تخلت عنها اليونان قبل عشر سنوات، حين انضمت إلى منطقة اليورو.
وعلى خلفية الأزمة السياسية الجديدة، خفضت وكالة فيتش تصنيف اليونان إلى درجة (CCC) من (B-)، مشيرة إلى أن أثينا ربما تضطر إلى الخروج من منطقة اليورو.
وقالت فيتش في بيان صادر في 17 أيار مايو: إن إخفاق السياسيين في تشكيل الحكومة يُظهر غياب الدعم السياسي والشعبي لبرنامج التقشف. وأكدت الوكالة على أنه إذا لم ينتج عن الانتخابات الجديدة تفويض بالاستمرار في إجراءات التقشف، فإن خروج اليونان من منطقة اليورو ربما يصبح "مرجحا".
ورأت فيتش أنه من المرجح أن ينتج عن خروج اليونان من منطقة اليورو تخلف على نطاق واسع في سداد الديون المستحقة على القطاع الخاص، إضافة إلى عدم الوفاء بالتزامات السندات السيادية المقومة باليورو. وذلك على الرغم من رغم عبء معتدل لخدمة الدين السيادي، اعتمد في أعقاب إعادة هيكلة سندات الحكومة اليونانية في آذار مارس الماضي.
واعتبرت الوكالة أن خروج اليونان من منطقة اليورو بسبب أزمتها السياسية، أو بسبب الفشل في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، من شأنه أن يُوثر على التصنيفات السيادية لشتى دول العملة الأوروبية.
ورجحت الوكالة وضع كافة تصنيفات منطقة اليورو قيد المراقبة السلبية فور خروج اليونان منها. وقالت إن الدول التي تحمل حالياً توقعات سلبية لتصنيفها ستكون أكثر عرضة للخفض الفوري. وذكرت أن تلك الدول هي فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وقبرص وأيرلندا والبرتغال وسلوفينيا وبلجيكا.
وقد أصرت ألمانيا والمفوضية الأوروبية على ضرورة مواصلة اليونان خطط التقشف، كشرط للحصول على أموال بموجب برنامج الإنقاذ المموّل من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، والذي يبلغ حجمه 130 مليار يورو.
ومن ناحيتها، قالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، بأنه في حال عدم تقيّد اليونان بالالتزامات التي تعهدت بها للمانحين، "يفترض القيام بمراجعات مناسبة. وهذا يعني إما تمويلات إضافية ووقت إضافي، وإما آليات خروج من اليورو. وهو خروج ينبغي أن يكون منظماً في هذه الحالة". وقالت لاغارد: "لقد باشروا إصلاحات مهمة، وقدموا بعض التضحيات. اليوم يبدو أن كل شيء يدور حول خلاف سياسي عميق. وهذا أمر مضر جداً بالشعب اليوناني".
وقد منح صندوق النقد الدولي اليونان، في آذار مارس الماضي، قرضاً جديداً بقيمة 28 مليار يورو، أعقب قرضاً بقيمة 30 مليار يورو في أيار مايو 2010. وقد تم دفع ثلثي قيمته. وكانت اليونان قد تمكنت من تجنب الإفلاس عبر نيلها، في آذار مارس، موافقة غالبية الجهات الدائنة الخاصة، على خفض وإعادة جدولة ديونها السيادية، الأمر الذي مهد الطريق أمام تطبيق خطة الإنقاذ الثانية.
وفي صورة مقابلة، دفعت الأزمة السياسية الأخيرة باتجاه زيادة الضغوط على القطاع المصرفي اليوناني، الذي واجه موجة كبيرة من هروب الرساميل.
ووجدت المصارف اليونانية المنهكة نفسها مجدداً أمام خطر الإفلاس، بعد أن شهد يوم الرابع عشر من أيار مايو من العام الجاري سحوبات مالية كثيفة، ناجمة عن الخوف من عواقب الانتخابات النيابية القادمة.
وفي يوم واحد فقط، تراجعت ودائع الأفراد والشركات بما قيمته 800 مليون يورو. وذلك وفقاً لما أعلنه الرئيس اليوناني، كارولوس بابولياس. وتضاف هذه الأرقام إلى السحوبات التدريجية التي قام بها اليونانيون منذ سنتين من حساباتهم المصرفية، سواء لمواجهة الأزمة، أو لوضع مدخراتهم في منازلهم أو في الخارج، خشية الخروج من منطقة اليورو وانهيار البلاد. وفي 31 آذار مارس 2012، كانت ودائع الأفراد والشركات تبلغ 165.35 مليار يورو، وفق إحصاءات البنك المركزي اليوناني، مقابل 237.53 ملياراً في نهاية كانون الأول ديسمبر 2009، أي عشية اندلاع أزمة الديون. وعلى الرغم من ذلك، تبقى هذه المدخرات أعلى من مستواها في منتصف العقد الماضي (136.9 مليار يورو في كانون الثاني يناير 2005)، وأعلى كثيراً من مستويات كانون الثاني يناير 2001، حيث كان البنك المركزي اليوناني لا يملك سوى 116.4 مليار يورو من الودائع.
الديون الإسبانية
في جنوب أوروبا، بدت إسبانيا وكأنها تقف قريباً من سيناريو الأزمة المالية في اليونان.
وتواجه إسبانيا صعوبة في خفض عجز هائل، وإعادة بناء القطاع المصرفي، عقب انهيار أسعار العقارات.
وفي توقعاتها الاقتصادية التي تصدر مرتين في السنة، قالت المفوضية الأوروبية، في 11 أيار مايو: إن إسبانيا سوف تسجل عجزاً بنسبة 6.4% من الناتج الاقتصادي هذا العام. وبنسبة 6.3% في العام المقبل. وكلاهما أعلى كثيراً من المستويات المستهدفة، التي تم الاتفاق عليها مع الاتحاد الأوروبي.
وفي محاولة لطمأنة شركائها في منطقة اليورو، أعلنت الحكومة الإسبانية أن مشروعها لموازنة 2012 يشمل "أكثر من 27 مليار يورو" من إجراءات التوفير والعائدات الجديدة. وخاصة عبر تجميد رواتب الموظفين، وخفض ميزانية الوزارات بنسبة 16.9% في المتوسط.
وأنقذت الحكومة الاسبانية عدداً من البنوك، التي أفرطت في تمويل طفرة إنشائية استمرت عشر سنوات، وانهارت في العام 2008. ويخشى أن تتعرض البنوك لموجة جديدة من التخلف عن سداد القروض بسبب تباطؤ الاقتصاد.
وتدرس الحكومة إنشاء شركة قابضة للأصول العقارية عالية المخاطر لدى البنوك، بعد أن أخفقت ثلاث جولات من التسويات والاندماجات الإجبارية في القطاع المالي في وضع حد للمشكلة.
ويراهن بعض المستثمرين على أن ارتفاع تكلفة الإقراض في إسبانيا سيدفع البنك المركزي الأوروبي لاستئناف برنامج شراء السندات، لكن البنك نصح الدول بأن لا تنتظر هذه المساعدة.
وقد سبب اللجوء إلى هذا الخيار في العام الماضي انقساماً شديداً بين المسؤولين الأوروبيين، ودفع رئيس البنك المركزي الألماني السابق للاستقالة.
وفي مقاربته لأزمة الديون في أوروبا، رأى صندوق النقد الدولي أنه يتعين على صناع السياسة في منطقة اليورو أن يحددوا مساراً واضحاً نحو الوحدة المالية، وأن يشرفوا على البنوك مركزياً، إذا أرادوا استعادة ثقة السوق في الوحدة النقدية، وتحقيق استقرار مالي دائم. وقال تقرير الاستقرار المالي العالمي، الذي أصدره الصندوق، في 17 نيسان أبريل، إنه بالرغم من أن الاتحاد الأوروبي، والبنك المركزي الأوروبي، أخذا خطوات كبيرة خففت التوترات في الأسواق المالية، بشأن مشكلات الديون السيادية في منطقة اليورو، إلا أن عليهما الخروج من الحلقة المفرغة لتقلبات الأسواق. وتوقع التقرير أن يؤدي خفض مديونية البنوك إلى انكماش أصول البنوك الأوروبية بمقدار 2.6 تريليون دولار على مدى عامين. وهو ما سيقلل الائتمان المتاح في منطقة اليورو بنسبة 1.7%.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.