استقبلت الأوساط الاقتصادية والتجارية في الإمارات بتفاؤل، الاتفاق النووي بين القوى الدولية وإيران، الذي يشمل رفع العقوبات الاقتصادية عنها، علّه يعيد الزخم إلى تجارة مربحة تجاوزت 23 بليون دولار سنوياً، قبل سلسلة العقوبات على طهران في السنوات الخمس الماضية. وتُعد إيران رابع أكبر شريك تجاري للإمارات، وتشكل دبي الرافد الرئيس لهذا التبادل. وعلى رغم أن الاتفاق النووي لم يحدد موعداً لرفع العقوبات، بل أشار إلى حصول ذلك في وقت قريب، فهو كسر حاجز الخوف بين تجار ومصرفيين في دبي، كانوا يتخوّفون من مجرد التفكير في عقد صفقة واحدة مع نظرائهم الإيرانيين خشية وضعهم على اللائحة السوداء من قبل الولاياتالمتحدة وحلفائها، خصوصاً بعد مباركة القيادة السياسية في الإمارات هذا الاتفاق فور إعلانه أول من أمس. وتوقع خبراء أن ترتفع التجارة بين الإماراتوإيران إلى ما يزيد على 28 بليون دولار بعد رفع العقوبات. ورجح نائب رئيس مجلس الأعمال الإيراني في دبي حسين حقيقي، أن «يزداد حجم التجارة بين الإماراتوإيران بما بين 15 و20 في المئة في السنة الأولى التي تلي رفع العقوبات، علماً أن عدد الإيرانيين المقيمين في دبي يتجاوز 400 ألف يديرون شبكة أعمال ضخمة. وكان وزير الاقتصاد الإماراتي سلطان المنصوري، أعلن أن التجارة مع إيران «ارتفعت إلى 17 بليون دولار العام الماضي، لكن تبقى أدنى من المستوى القياسي الذي سجلته عام 2011، قبل بدء العقوبات الأخيرة حين بلغ حجم التبادل 23 بليون دولار». وخلال زيارة ل «الحياة» إلى خور دبي، الذي يُعتبر مرسى السفن الصغيرة التي تحمل بضائع استهلاكية وموادَّ تموينية وأدوات منزلية وكهربائية إلى إيران، لوحظ تحسن في مزاج التجار الإيرانيين بعد ثلاث سنوات عجاف، اضطروا خلالها إلى التعامل بنظام المقايضة أو تحويل الأموال بواسطة أفراد لشراء البضائع التي يستوردونها من دبي أو بيعها، بسبب توقف المصارف ومؤسسات تحويل الأموال عن إقراض أموال خاصة بالتجار الإيرانيين أو تحويلها. وتُعتبر الإمارة البوابة الرئيسة لاقتصاد البلد، الذي كان يعاني من عزلة دولية على مدى عشر سنوات. وينتظر تاجر إيراني عرّف عن نفسه باسم محمد نجاد، رفع العقوبات عن إيران كلياً «بفارغ الصبر»، واعتبر الاتفاق «خطوة إيجابية» قد تعيد زخم أعماله إلى سابق عهدها. وأشارت إحصاءات سلطات جمارك دبي، إلى أن تجارة الإمارة مع إيران تقلصت بمقدار الثلث عام 2012، ما دل على مدى تأثير العقوبات المالية الأميركية والغربية التي أضرت بنشاطات التجارة الإيرانية مع بقية دول العالم. وأدت العقوبات المصرفية التي فرضتها القوى العظمى على إيران، إلى ردع البنوك عبر العالم بما فيها الموجودة في الإمارات، عن إجراء معاملات مع إيران، ما وضع عراقيل كبيرة أمام طهران لتمويل تجارتها الخارجية. وتوقع نائب رئيس مجلس إدارة «موانئ دبي العالمية» جمال بن ثنية، أن يفتح رفع العقوبات عن إيران، «صفحة جديدة في علاقة البلدين التجارية، بغض النظر عن التعقيدات الجيوسياسية التي تتعلق بتدخلات إيران في دول المنطقة». وقال في تصريح إلى «الحياة» «العلاقات التجارية بين الإماراتوإيران «تاريخية»، ولكن حصل انحسار في حجم التجارة منذ خمس سنوات لسببين، الأول يتمثل بتداعيات أزمة المال العالمية والعقوبات التي فرضت عليها من قبل المجتمع الدولي». وأمل في أن «تنعكس خطوة رفع العقوبات إيجاباً على التجارة، في حال وجود تسهيلات مصرفية». وعلى رغم أن لا حدود فاصلة لملف العقوبات على إيران، وعلى رغم عدم شمول العقوبات بعض البضائع مثل المواد الاستهلاكية والسلع، فقد تجاوز التجار والمصارف حدود المطلوب، لاعتقادهم بأن أي تعامل مع إيران سيعرضهم إلى عقوبات ومشاكل، ما عمق الأثر السلبي على التجارة وحجم (التبادل) بين دبيوإيران. وعلى رغم العقوبات المفروضة منذ عشر سنوات على إيران، استطاعت الأخيرة الحصول على بعض السلع التي تحتاج إليها من خلال سوق إعادة التصدير الناشطة في دبي. لكن العقوبات الجديدة التي فرضتها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها نهاية عام 2011 ومطلع 2012 أضرت بها كثيراً، وانعكست سلباً على التجارة والتبادل في موانئ دبي. وانخفض النشاط التجاري بين إيرانودبي إلى 10.8 بليون درهم (نحو 2.9 بليون دولار) في مقابل 11 بليوناً قبل تشديد العقوبات مطلع عام 2011. وتباطأ نمو تجارة دبي غير النفطية عام 2012، ويُعزى ذلك جزئياً إلى تراجع التجارة مع إيران. كما انخفض عدد أعضاء مجلس العمل الإيراني في دبي من 600 إلى 200، بعدما انتقل تجار إيرانيون كثر من دبي إلى دول مثل تركيا وماليزيا. واعتبر الخبير الاقتصادي أحمد البنا، أن الإمارات «هي المنبع الرئيس والمغذي لسوق إيران من معدات وآلات ومواد استهلاكية وبضائع، على اعتبار أن الإمارات تمتاز بقرب المسافة الجغرافية مع إيران، ما يسهل حركة السفن وخطوط الطيران، فضلاً عن أنها مركز للتجارة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والهند وباكستان. ورأى رئيس مؤسسة العابدي للسياحة سعيد العابدي، أن خطوة رفع العقوبات عن إيران «بادرة أمل على المنطقة علها تبعد إيران عن تدخلاتها في دول المنطقة». لكن رجّح أن «تؤدي هذه الخطوة إلى تحسن العملة الإيرانية، التي ستفضي إلى تشجيع الإيرانيين على الخروج للسياحة».