إصدار الأحكام في جميع أمور الحياة يجب أن يتم بناء على تصور صحيح وتقدير سليم للمسألة أو القضية من جميع جوانبها، كي يتسم الحكم بالعدالة والمنطقية، وليكون النقد موضوعيا، بعيدا عن تصيد الأخطاء، وذلك وفقا للقاعدة المشهورة والمهمة ”الحكم على الشيء فرع من تصوره”، ويبدو لي أن الوسط الرياضي هو المعني بتطبيق هذه القاعدة، وهذا ما دعا الأمير فهد بن خالد رئيس النادي الأهلي إلى أن ينتقد وبشدة المحللين الرياضيين والإعلاميين الذين نصبوا المشانق لفريقه بعد الخسارة الثقيلة من الهلال في الجولة الرابعة من دوري زين، فقد انقلبت آراؤهم 180 درجة، فبعد أن كان الأهلي مرشحا قويا للقب الدوري صار في غمضة عين مهددا بالهبوط، وهنا طالب الرئيس الأهلاوي هؤلاء بالنظر للموضوع من خلال زاوية أكثر فهما وإدراكا وشمولية، وعدم إصدار الأحكام القاطعة إلا بعد مضي تسع جولات! هذا الأمر لم يغب كذلك عن بال الأمير عبد الرحمن بن مساعد رئيس الهلال الذي طالب هو الآخر بالتأني والتروي والصبر على الفريق، وتأجيل الأحكام إلى ما بعد الجولة التاسعة، حتى وهو ينتصر على الأهلي برباعية. هذه القاعدة المهمة أرى أنها تنطبق على الهلال والأهلي، بحكم أن لديهما معطيات فنية مقنعة وأرضية صلبة تجبر المتابعين على التروي والهدوء عند نقدهما، ولكن ماذا عن إدارة النصر التي قلبت موازين هذه القاعدة رأسا على عقب، وأصبحت على المكشوف، ومنحت جميع المنتمين للوسط الرياضي راحة كبرى في النقد المبكر والقاطع بعيدا عن جسور متاعب إعمال العقل وإشغال الذهن، وكأن الإدارة النصراوية المحكوم عليها في هذه المسألة بعد عملها المتواضع والهش تقول للوسط الرياضي ليس هناك ما يدعو لأن تتروا ثم تصدروا أحكامكم، فتقييمنا لا يحتاج إلى مزيد تصور وإدراك وفهم! فماذا كانت نتيجة ذلك؟ أجزم أن النصر شذ عن هذه القاعدة بعد توالي الأحكام المبكرة من المتابعين بفشل الفريق دون أدنى قراءة لما سيحدث في الجولات المقبلة من الدوري، ولا أحد يلام على ذلك، فمشروع النصر متعثر لا محالة وفقا لمعطياته الهشة، وليت الأمر يقف عند هذا الحد فحسب، بل إن جماهير الشمس منحت عقولها هي الأخرى إجازة مبكرة، وطالبت الإدارة بالرحيل والابتعاد عن النادي بعد أربع جولات في الدوري فقط! هذه البدائية لدى إدارة النصر دعتني كذلك في إحدى المقالات السابقة إلى أن أحكم على الفريق وقبل بداية الدوري أيضا، انطلاقا من عمل الإدارة الضعيف والمتأخر الذي لا يتواكب مع النقلة النوعية التي حدثت لمعظم الأندية، حيث أشرت إلى أن على جماهير الشمس أن تقتنع بأن تحقيق المركز الثامن في دوري زين، وحجز مقعد في كأس الأبطال يعد أفضل إنجاز ستسجله الإدارة هذا الموسم!! إذن، هذه الأحكام المسبقة والسريعة والجريئة لم تنطلق من دراسة مستفيضة وتمحيص وصبر، لأن موضوع النصر لا يحتاج إلى أن تغوص في أعماقه، فالكتاب ”باين” من أول كلمة في عنوانه، وبما أن الأمور أصبحت واضحة لإدارة النصر فلماذا استمرت في مسلسل الوعود الكلامية؟ وهل كان تهرب الأمير فيصل بن تركي من تحديد فترة زمنية محددة يحاسبه الجمهور بعدها دليلا ملموسا على الوعود العرقوبية؟ وكيف أغلقت الإدارة المنافذ على القريبين من النصر الذين طالبوا باتخاذ قرارات مصيرية؟ لقد فوتت إدارة الأمير فيصل بن تركي فرصة ذهبية كانت كفيلة بإجراء عملية إنعاش لقلب النصر المنهك، ليس من أجل امتصاص غضب الجماهير فحسب، ولكن لإعطاء الفريق دفعة معنوية ضرورية يسير بعدها على قدميه، ولتجنيب الفريق ما هو أسوأ في قادم الجولات، وبما أن الفأس وقعت في الرأس، ولم تتخذ الإدارة قرارات مصيرية وحاسمة وعاجلة بمحاسبة المتسببين فيما وصل إليه الفريق فإن ساعة الرحيل قد حانت، ولعلها تقتنع أيضا بأن جماهير النصر قد طالبت باستقالتها وأصدرت حكما بالابتعاد عن الفريق، رافعة شعار”ستسير وحدك يا نصر”، بعد أن كانت مضرب المثل في الوفاء والانتماء!