في كتابه "حوار حول العلمانية "يبتدئ الدكتور أحمد فودة بقصة حصلت في مصر في عشرينيات القرن الماضي: وهي أن الأستاذ أحمد لطفي السيد عندما رشح نفسه لعضوية البرلمان أخذ منافسوه يجوبون المدن والقرى ويقولون إن هذا الرجل ديمقراطي والعياذ بالله، وحيث إن هذه المصطلحات لم تكن مألوفة في ذلك الوقت للعامة فقد كان يُسمع بعد قول إنه ديمقراطي: "استغفر الله وأعوذ بالله"، وكانت عبارات منافسيه حاسمة ومنها: "لقد سمعته بنفسي يردد وأقسم بالله على ذلك أنه يردد بأنه ديمقراطي، ولو سمعت هذا الكلام من غيره لكنت أنكرته فإن كنتم تريدون ترك الإسلام واعتناق الديمقراطية فانتخبوه، وهذا شأنكم، وقد بلّغت، اللهم فاشهد"؛ ولكن في النهاية نجح السيد أحمد لطفي في الدخول للبرلمان وفشل خصومه في ذلك. من هذه الحادثة، وكأن التاريخ يعيد نفسه في ليبيا من جانب أن أغلب العامة لا تعي على وجه الدقة الكثير من المصطلحات والمفاهيم التي تتداول هذه الأيام مما قد يفتح الباب للكثير من التفسيرات و التأويلات وإطلاق النعوت والصفات . إن قضية العلمانية وقضية هل الإسلام دين ودولة أم دولة فقط تحدث فيها الكثيرون وتكلم فيها المتكلمون والباحثون والفقهاء منذ أثارها الدكتور علي عبد الرازق في القرن الماضي، وأعتقد ولا يساورني أدنى شك في أن الإسلام دين ودولة وأن الإسلام يتضمن مبادئ صالحة لكل زمان ومكان ولكل مجتمع وقوم. فالمبادئ التي أقرها الإسلام، كالحرية والعدل والمساواة والشورى وغيرها، مبادئ كلية عامة شاملة، خاصة في مجتمع جميع قاطنيه مسلمون مثل ليبيا، أما مسألة علاقة الإسلام بممارسة السياسة فإن الأمر يختلف لأن هناك أسئلة طرحت ولا زالت تطرح حول هذه الجزئية والتي منها: كيف لنا أن نطبق هذه المبادئ بطريقة علمية عملية مستنبطة من الدين الإسلامي ومن القرآن والسنة عبر قراءة مستنيرة وواضحة وجلية للميراث الفلسفي السياسي الإسلامي. هذه الأسئلة وغيرها طرحها الأستاذ منصف المرزوقي في مقالة له بعنوان "الحكم الرشيد والمجتمع الراشد" بتساؤله ""لماذا لم نكن نحن العرب والمسلمين أول من خلق النظام الديمقراطي؟ ولماذا تخبطنا طوال القرون في منظومة فكرية عاقر، تبرّر الحكم الفاسد أو تبحث له عن بدائل لا تقل فسادا، مثل فكرة المستبدّ العادل؟ سؤال قد يكون من نوع لماذا لم نكتشف نحن الرأسمالية والصناعة والكمبيوتر والطلوع إلى القمر والغوص في أسرار الجينات.. إلخ؟ أهم من هذا السؤال عكسه، أي كيف لا نعود يوماً للتخلّف؟ كيف نصنع ونطوّر أحسن النظم التعليمية، الثقافية، البحثية، الاقتصادية، القضائية، الأمنية، الصحية، لتجنيد الطاقات الذهنية القادرة على خلق الثروات المادية والرمزية والقيمية التي لا تطوُّر بدونها؟ ولأن تاريخنا المظلم أكبر شهادة على أن طبيعة النظام السياسي هي التي تلعب الدور الأساسي في بناء أو خراب هذه النظم، أصبح هاجسنا الأكبر كيف نبني النظام السياسي الكفيل بالسهر عليها بدل تخريبها . هنا يكمن في تقديري مربط الفرس.