قوبل نشطاء مطالبون بالديمقراطية كانوا ينظمون مسيرة في شوارع القاهرة المزدحمة الأسبوع الماضي بالابتسام والضحك من البعض وقوبلوا أيضا بالريبة والعداء.عندما قرر النشطاء تنظيم هذه المسيرة كانوا يتوقعون المشاكل وربما العنف. إذ لم يرق لكل سكان منطقة إمبابة التي تسكنها الطبقة العاملة الهتافات التي كانوا يرددونها. وعندما توقفوا أمام مسجد لعرض تسجيل ينتقد المجلس العسكري طلب منهم أحد السكان الغاضبين في المنطقة الرحيل. هذا المشهد يظهر واحدة من المشكلات التي تواجه الجماعات المطالبة بالديمقراطية في مصر وهي تحاول حشد التأييد لحملة ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يتولى شؤون البلاد والذي يعتقدون إنه يقف في طريق التغيير الموعود. وعلى الرغم من أن مصر شهدت أول انتخابات حرة منذ نحو 60 عاما فإن الإصلاحات السياسية في البلاد التي يسكنها 80 مليون نسمة لم تصل إلى حد التغيير الذي يطالب به الإصلاحيون الشبان الذين اعتصموا في ميدان التحرير يوم 25 يناير كانون الثاني 2011 مما عجل بإنهاء حكم الرئيس السابق حسني مبارك. لم يتمكن هؤلاء الشبان من الحصول على تمثيل يذكر في مجلس الشعب الذي أصبح يهيمن عليه الإسلاميون وأصبحوا يشعرون بالتهميش ويكافحون لتحسين سمعتهم التي يقولون إن الإعلام الموالي للمجلس العسكري شوهها بشدة نظرا لأنه صورهم على أنهم مثيرو شغب ممولون من الخارج. قال عمر المصري وهو مدون شارك في مسيرة امبابة "لابد أن نوصل الأهداف الحقيقية للثورة لأن الإعلام الرسمي يوصل فكرة خاطئة." وأضاف المصري وهو ليبرالي مستقل ترك آلة تصويره في البيت حتى لا تثير مشاكل "الشعب أنجح الثورة.. الآن نفتقد هذا الشعب." وبينما كان محمد حسين يراقب المسيرة أبدى تشككا يشعر به قطاع من المصريين يشغلهم قوت يومهم أكثر من المزيد من التصعيد. وقال المدرس الذي يبلغ من العمر 42 عاما "يريدون ثورة.. ثورة.. ثورة.. ثم ماذا؟... لابد أن هناك جهة ما وراءهم." هذه المشاعر تظهر التحدي الذي تواجهه المجموعات التي أشعلت الانتفاضة ضد مبارك قبل عام في سعيها لإعادة الناس إلى الشوارع مرة أخرى. قال محمد صفار المحلل السياسي إن الطريق ما زال طويلا أمام حركة الشباب لاستعادة الثورة. وفي حين أن الكثير من المصريين ملوا من الاحتجاجات التي لا تنتهي وعادوا مرة اخرى للتركيز على قوت يومهم وتركوا المجلس العسكري ليدير البلاد أخذت ثقة النشطاء في القادة العسكريين تتلاشي بمرور الوقت. هم يشكون في أن المجلس العسكري سيفي بوعده بتسليم السلطة بشكل كامل لنظام مدني بحلول نهاية يونيو حزيران وهم قلقون من أن يكون بصدد تطويع الثورة لتحقيق أغراضه. وقال سعيد أبو العلا وهو مدرس عمره 28 عاما وعضو الأمانة العامة لحزب تحالف الشباب الاشتراكي وهو من الجماعات التي تطالب بإصلاحات أكبر وأسرع "خرجنا للثورة من أجل الديمقراطية والحرية ومن أجل العدالة الاجتماعية." وأضاف "حتى الآن لم نحقق حتى الديمقراطية.. الديمقراطية التي نعيشها الآن هي شكلية ومزيفة." وانتقدت منظمة هيومان رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان المجلس العسكري بسبب "قائمة من الانتهاكات التي كانت في بعض جوانبها أسوأ مما كان يحدث في ظل حسني مبارك" بما في ذلك القمع العنيف للاحتجاجات وزيادة المحاكمات العسكرية. ودافع المجلس العسكري الذي يقوده المشير حسين طنطاوي الذي كان وزيرا للدفاع في عهد الرئيس السابق طوال 20 عاما عن دوره في مصر ما بعد مبارك وصور نفسه على أنه حامي الثورة. وقال اللواء اسماعيل عتمان عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة في رده على شكاوى بعض الشبان "اللقاءات المستمرة بين شباب الثورة والمجلس العسكري ضرورة لإزالة سوء الفهم والخلاف من خلال الحوارات الجادة والتي تزيل الاحتقان." وتتعاون جماعة الاخوان المسلمين التي اتسمت استجابتها للانتفاضة بالبطء مع المجلس العسكري في الوقت الراهن مما أثار شكوكا في احتمال موافقتها على اتفاق لتقاسم السلطة لكنها ملتزمة في العلن بالإصلاحات الديمقراطية. وفاز حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للاخوان بأكبر عدد من المقاعد في انتخابات مجلس الشعب. ودعت جماعة الاخوان المسلمين والقوات المسلحة إلى احتفالات بمناسبة الذكرى الأولى للانتفاضة في 25 يناير كانون الثاني مما جعلهما على مسار تصادمي مع الحركات الشبابية التي تريد ان تجعل هذا اليوم مناسبة لاحتجاجات حاشدة. وقال أحمد حرارة وهو طبيب عمره 31 عاما أصيب بالعمى بعد ان فقد عينيه أثناء احتجاجات العام الماضي إنه يطالب بثورة أخرى. وأضاف أن التخلص من هذا النظام سيستغرق أربع أو خمس سنوات على الأقل. وحتى بدون الدعم المعلن لجماعة الاخوان التي تتسم بالتنظيم الجيد يقول نشطاء بارزون إن موقفهم أفضل اليوم مما كان عليه الحال قبل عام لدعوة الناس إلى الشوارع. ورفض احمد ماهر وهو من مؤسسي حركة 6 ابريل التي تتألف أساسا من الشبان أي تلميح بأن الحركات الشبابية تتخبط. وقال المهندس البالغ من العمر 31 عاما إن حركة 6 ابريل على سبيل المثال أصبحت تضم 20 ألف نشط في أنحاء مصر بزيادة سبعة أمثال عن حجمها عندما ساعدت على إطلاق هذه الانتفاضة. وقال ماهر بينما كان يجلس في مقهى يلتقي به سكان القاهرة للحديث عن السياسة إن أي شخص يتحدث عن نهاية دور الميدان "واهم". ويقول نشطاء إنهم يتعلمون من أخطائهم وإنهم يسعون لمواجهة انتقادات تتعلق بعدم توحيد الصفوف بين الجماعات ذات الفكر الواحد وحشد التأييد الشعبي. وقالت سالي توما وهي عضو المكتب التنفيذي في ائتلاف شباب الثورة الذي تشكل العام الماضي بعد اندلاع الانتفاضة "لازم مراجعة النفس على غلطات حصلت." وتابعت "لازم نلم الناس في خلايا.. خلايا.. خلايا.. وتبقى شبكة كبيرة من الثورة في كل حي." وفي اطار حملة للنشطاء تحت مسمى "كاذبون" كانت هذه المسيرة وهي واحدة من بين 300 حدث نظمه النشطاء منذ ديسمبر كانون الأول لإبراز ما يصفه نشطاء بكذب المجلس العسكري. وكانت هذه الحملة نتاج تنسيق بين الجماعات السياسية التي لها نفس الأهداف. وفي الليلة السابقة تجمع ممثلو خمس جماعات في مكتب مكتظ للمرة الثالثة خلال شهر. وقرر هؤلاء إطلاق اسم "تيار الثورة مستمرة" على تحالفهم. وقال أبو العلا الشاب الاشتراكي الذي حضر الاجتماع إنه ليس هناك حاجة لأن تعمل كل مجموعة بمفردها مضيفا "الطريق الرئيسية أمامنا هي التنظيم.. التنظيم.. التنظيم.. لاستمرار تواجدنا واستمرار ثورتنا."لكنه وافق على أن الثوار في حاجة إلى أن يعالجوا بشكل عاجل المشكلة المتعلقة بصورتهم لمواجهة ما اطلق عليه "سرقة الثورة".