تعود علاقة المؤسسة الإسرائيلية بما يسمى الحركة الشعبية لتحرير السودان، والتي يرئسها اليوم سيلفا كير ميارديت رئيس جنوب السودان، إلى عقد الستينات من القرن الماضي، حيث وقفت المؤسسة الإسرائيلية إلى جانب هذه الحركة في تمردها ضد الحكومة السودانية وأمدتها بالعدة والعتاد والخبرات اللازمة في حربها ضد الحكومة السودانية المركزية. وبحسب ما اعترف به جوزيف لاجو، مستشار القائد السوداني الجنوبي سلفا كير ، فإن حركته بدأت علاقتها بالمؤسسة الإسرائيلية بعد رسالة بعث بها هو شخصيا إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي وقام بتوجيه إطراء له بالقول : "سعيد بأنكم شعب الله المختار، غلبتم العرب، وأنا أيضا أحاربهم، مما يعنى أنكم في حال زودتمونا بالأسلحة سأتغلب على القوات السودانية التي لن تستطيع بعدها دعم مصر ضدكم". وخلال هذه السنوات عملت المؤسسة الإسرائيلية على تزويد 18 ألف مسلح ضد الحكومة السودانية وفقا لمركز الدراسات المعاصرة . إن زيارة كير للمؤسسة الإسرائيلية هي بمثابة إشهار وإعلان لعلاقة سرية ظلت طي الكتمان ووراء سدول الظلام، بين المؤسسة الإسرائيلية والحركة الشعبية منذ قيامها، ومع الجنوبيين منذ تأسيس إسرائيل عام 1948م، ويذكر أن الأب المؤسس للكيان الصهيوني بن غوريون، تبنى سياسة محاصرة العالم العربي من أطرافه بإقامة علاقة بغرض دعم التوجهات المناهضة لمصالح العالم العربي وقضاياه. وعليه فان تأسيس دولة جنوب السودان شكلت طعنة من الخلف للأمن القومي العربي بشكل عام والمصري بشكل خاص، وما كان هذا ليحصل لولا سياسة الصمت التي انتهجها نظام مبارك ضد الحرب الناعمة التي إدارتها المؤسسة الإسرائيلية والولايات المتحدة في جنوب السودان، فنظام مبارك تخلى عن عمقين إستراتيجيين في غاية الأهمية لحصانة الأمن القومي المصري، الأول كان في تخلي هذا النظام عن دعم غزة والثاني تخليها عن دعم السودان. لا شك أن المستفيد الأكبر من تقسيم السودان هي المؤسسة الإسرائيلية، فجنوب السودان كان مدرجا ضمن مشروع القرن الإفريقي الكبير للولايات المتحدة حليفة المؤسسة الإسرائيلية، ومنطقة القرن الإفريقي مهمة بالنسبة للأخيرة باعتبارها المدخل الجنوبي للبحر الأحمر الذي يفضي إلى خط الملاحة البحرية الموصل لميناء ايلات، وعليه فان تواجد المؤسسة الإسرائيلية في الجنوب السوداني يعتبر نقطة انطلاق إلى دول مثل كينيا واوغندا وأفريقيا الوسطى التي تحاول المؤسسة الإسرائيلية من خلالها إقامة تحالف إسرائيلي مسيحي معاد للعرب بشكل عام ولمصر بشكل خاص. تفتيت السودان لن يقف عند انفصال دولة الجنوب، فالهدف إضعاف السودان بالكلية لكي لا يشكل قوة داعمة لمصر وهذا ما يفهم من اعتراف لاجو السابق، ولذلك ستتواصل المساعي الإسرائيلية مع حلفائها في أفريقيا لمساعدة دارفور على الانفصال، ولعل تطور العلاقة بين الجنوبيين ومتمردي دارفور خير دليل على ذلك. ما تقوم به المؤسسة الإسرائيلية في السودان والقرن الإفريقي هي حرب ناعمة ضد مصر، تسيطر من خلالها على ثروات السودان وعلى منابع مياه النيل للضغط على النظام الجديد في مصر، قبل أن تنقل هذه المؤسسة وحلفاؤها إلى الداخل المصري لتفتيت الدولة .