ملتقى ومعرض المنصات المالية الذكية iPExpo2025    NASA تعجز عن إرسال رحلة للمريخ    ثغرة خطيرة في WhatsApp    مسبار يستقر في الفضاء بنجاح    6 أندية ترافق الخليج والهدى إلى ربع نهائي كأس اتحاد اليد    بجوائز تتجاوز 24 مليون يورو.. انطلاق "جولة الرياض" ضمن جولات الجياد العربية    سلوكيات بريئة تشكك بالخيانة    التصوير بالرنين المغناطيسي يضر الجسم    عودة الذئب الرهيب بعد 10000 عام    الشعور بالجوع يعيد تشكيل الخلايا المناعية    فهد بن سلطان يستقبل وكلاء ومنتسبي إمارة تبوك بمناسبة العيد    روسيا: مستقبل الحد من الأسلحة النووية.. يعتمد على الثقة    تصاعد الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر ومالي    قلق أممي إزاء وضع المدنيين في السودان    زهرة اللبن (الأقحوانة البيضاء) حورية الرومان وملهمة الشعراء    دول آسيا تبحث عن حلول للتعامل مع حرب التجارة الصينية الأمريكية    الأهلي المصري يكرر فوزه على الهلال السوداني ويتأهل إلى نصف نهائي «أبطال أفريقيا»    استضافة الأحداث الرياضية الكبرى تستقطب كبرى الشركات والمستثمرين    خريطة العمارة السعودية في عسير.. تعزيز الأصالة    130 خبيرًا دوليًا يبحثون «أمن وحماية القطارات وشبكة السكك الحديدية»    عبدالعزيز بن سعد: المشروعات التراثية دعم للهوية الوطنية    المضاربون في سوق العملات العالمية خفضوا رهاناتهم    سعود بن بندر: الاستثمار في البنية التحتية الذكية والابتكار يؤتي ثماره في تحسين جودة الحياة    أمير المدينة يلتقي قائد أمن المنشآت    إطلاق حملة للتوعية بالتسمم الغذائي    قرعة كأس آسيا لكرة السلة تضع الأخضر في المجموعة الثالثة مع الصين والأردن والهند    النقل الإسعافي يستقبل 5 آلاف بلاغ بالمدينة المنورة    الهلال يُحدد موقفه من رحيل جيسوس    هدف نيوم السابق.. تقارير مصرية تؤكد تعاقد الأهلي المصري مع زيزو    وزير الخارجية يصل إلى الولايات المتحدة في زيارة رسمية    فليك يطالب لاعبي برشلونة بأداء قوي ويحذر من قوة دورتموند    أمير منطقة تبوك يستقبل وكلاء ومنسوبي الامارة بمناسبة عيد الفطر    إطلاق اختبارات "نافس" في جميع المدارس الابتدائية والمتوسطة    مباحثات لتعزيز التعاون الدفاعي بين السعودية والعراق    الخبر ال 61 عالميا ضمن قائمة المدن الذكية لعام 2025    تعليم الطائف يطلق البرنامج التدريبي التدريس المعتمد على المعايير في مقررات العلوم    رئاسة الافتاء تصدر كتابا علمياً عن خطر جريمة الرشوة على الفرد ومقدرات الوطن    "الصحة القابضة" والتجمعات الصحية تختتم حملة "صم بصحة" ب 40 مليار خطوة و3.7 مليون فحص    سحب رعدية ممطرة ورياح نشطة على عدة مناطق في المملكة    الهلال الأحمر بنجران يكشف إحصائيات شهر مارس 2025    نقاط التحول    الساعة    ماجد المصري: لم أتوقع نجاح "رجب الجرتلي" الشرير والحنون    هل هناك رقم مقبول لعدد ضحايا حوادث المرور؟    "الحج" تحدد غرة ذي القعدة "آخر موعد".. و"الداخلية": 100 ألف ريال غرامة تأخر مغادرة الحجاج والمعتمرين    أمير جازان يشهد توقيع عدد من الاتفاقيات والشراكات المجتمعية.. تدشين حملة الأمير سلطان بن عبدالعزيز للتوحد    تتجاوز نصف إجمالي الشرق الأوسط.. السعودية الأسرع نموا في الطاقة المتجددة بين «العشرين»    ضبط مخالفين بتجريف التربة والرعي المحظور    القمة الثلاثية تطالب بوقف إطلاق النار ودعم دولي للسلطة الفلسطينية    لك حق تزعل    رجال الأمن صناع الأمان    بين النصّ الورقي و الأرشفة الرقمية.. حوار مع إبراهيم جبران    الموظف واختبار القدرات    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظِّم لقاء معايدة    العلاقة بين وسائل التواصل والتربية السليمة    استقبل ونائبه المهنئين بعيد الفطر.. المفتي: حريصون على نشر العلم الشرعي بالأحكام العامة والخاصة    صدح بالآذان 40 عاماً .. الموت يغيب المؤذن محمد سراج ليلة العيد    "البصيلي": يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    









من المستفيد من إضعاف الخرطوم عسكريا؟
في ظل التهاون العربي بما يجري في منابع النيل وهجوم إسرائيل على مصنع اليرموك
نشر في عكاظ يوم 27 - 10 - 2012

اتهم السودان إسرائيل رسميا بضرب مصنع اليرموك للسلاح الواقع جنوب العاصمة الخرطوم، وتقدم إلى مجلس الأمن بشكوى واصفا الفعل أنه انتهاك صارخ لمفهوم الأمن والسلم، ومبادئ الأمم المتحدة وميثاقها، ويهدد الأمن والسلم في المنطقة بأسرها وليس السودان وحده. وكان وزير الإعلام السوداني أعلن «أن أربع طائرات آتية من الشرق ضربت المصنع ومستودعا للصواريخ الذكية، فتطايرت النيران والانفجارات إلى الأحياء السكنية المجاورة».
•• وهذه ليست المرة الأولى التي تتهم فيها السودان إسرائيل بالاعتداء على أراضيها، وضرب منشآتها المدنية والعسكرية، فهذه التهم قديمة منذ أيام الرئيس جعفر النميري. وإن كانت تأتي في صيغ وظروف مختلفة، بحسب الأحداث والمواقف المتصلة بعلاقات السودان بجيرانه. وكان الهجوم الذي تعرض له مصنع الشفاء للأدوية قبل عدة سنوات هو الأشهر بين تلك الاعتداءات والشكاوى.
•• والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المنشآت السودانية، وفي ظروف مختلفة، تستدعي حزمة من التساؤلات: لماذا تهاجم إسرائيل السودان؟ وهل يشكل السودان خطرا على إسرائيل حتى تجعله في دائرة أهدافها؟. ماذا يمثل السودان لإسرائيل وهو لا يملك قوة يمكن أن تشكل تهديدا محتملا عليها ؟
•• لمقاربة الإجابات على هذه الأسئلة، وما يتصل بها من علامات الاستفهام، من المفيد التذكير بنشاط إسرائيل السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي في جنوب السودان، والدول المجاورة له، وتاريخ تحالفاتها في ذلك الحيز الجيوسياسي . فمن المعروف أن إسرائيل تنشط منذ فترة طويلة، في دول منابع النيل لتأسيس شبكة من الروابط والعلاقات تخدم أمنها الاستراتيجي، وترسخ حضورها القوي في هذه المنطقة التي تعتبر امتدادا طبيعيا للمجال الحيوي للدول العربية الواقعة على وادي النيل. وليس من مصلحة إسرائيل الابتعاد عنها، والتخلي عن التأثير في ما يجري فيها وحولها من أحداث وتنازعات. فهذه المنطقة منابع نهر النيل، متصلة بشكل طبيعي بالدولة العربية الكبرى مصر، والعلاقات بين دولها تؤثر في الشريان الحيوي لكل دول النهر. وترك هذا المنبع وما يؤثر فيه من علاقات سياسية واقتصادية للدول العربية لا يخدم مصلحة إسرائيل في إطار صراعها التاريخي مع المجتمعات العربية. ولهذا عرفت منطقة منابع النيل حضورا إسرائيليا تمثل في نشاط الموساد، ومجموعات التدريب العسكرية، وشركات وسماسرة تصدير السلاح، وخبراء المياه والزراعة والتعليم. وفي سنوات تراجع الاهتمام العربي بأفريقيا وتراخي مفهوم التضامن العربي،لأسباب كثيرة، تمكنت إسرائيل أن تتمدد في هذا المجال، وتقوي منافعها مع الكثير من الدول الأفريقية، واستطاعت أن تؤسس علاقات قوية مع بعض الزعامات الأفريقية (في كينيا، أثيوبيا، أريتريا) وأنشأت صلات متينة مع قادة حركات الانفصال في جنوب السودان؛ امتدادا لتواصلها معهم منذ نشأة تلك الحركات في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، وتطورت تلك العلاقات وأصبحت معلنة بعد أن باتت العلاقات مع إسرائيل ليست مما يخجل منه قادة التحرر في المنطقة . (كان هذا من نتائج اتفاقية كامب ديفيد)..
وفي الثمانينات من القرن الماضي توطدت العلاقات مع جنوب السودان على يد القائد التاريخي الدكتور جون قرنق الذي تلقى دعما إسرائيليا في المحافل الدولية، خاصة بعد مجيء حكومة الإنقاذ في الشمال بوجهها الإسلامي، وتطلعاتها وتحالفاتها الاختيارية والاضطرارية التي فرضت عليها الانحياز إلى مواقف لا تتفق مع رؤية الدول الغربية الكبرى .. استغل قادة الجنوب السوداني هذا المناخ الجديد في المنطقة، و المواقف الدولية من حكومة الخرطوم فزادت علاقتهم بإسرائيل، واستثمروا قوة علاقاتها مع مراكز الضغط في الكثير من الدول الغربية وحضورها السياسي المدعوم من الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية، وتغلغلها في المؤسسات الدولية المانحة للقروض والمساعدات إلى جانب وسائل الإعلام المؤثرة ليشكل كل ذلك حملة ضاغطة على السودان زاد من تأثيراتها السلبية موقف الدول العربية وانحيازها إلى النظام المصري المختلف مع الخرطوم في ذلك الوقت.
•• هذه «الخلفية» وتداعياتها يبدو أنها لاتزال حاضرة في رؤية إسرائيل للسودان رغم المتغيرات الكثيرة في المنطقة التي من أبرزها، في الإطار السوداني، انفصال الحليف الجنوبي في دولة مستقلة، وتراجع حملة الغرب على السودان بعض الشيء ، وإن بدرجات مختلفة، فهل لاتزال إسرائيل تضع السودان في دائرة مهدداتها؟ وما هو نوع التهديد الذي يشكله ؟ هل هو تهديد مباشر أم هو تهديد في الإطار الاستراتيجي؟ أم هو تهديد للحلفاء، ولابد من إضعافه لصالحهم؟. النظرة الفاحصة التي لا تتجاهل جذر الصراع العربي الإسرائيلي بكل حمولاته، ترى أن السودان، رغم ضعفه وأزماته الأمنية والسياسية والاقتصادية، وتهديد وحدته ورغبته في مهادنة الغرب. لا يمكن أن يدخل في دائرة الصداقة مع المشروع الإسرائيلي، وبالتالي سيظل في نظرها أقرب إلى محور الأعداء. ويزداد هذا «التصنيف» وضوحا وحدة كلما تعارضت مصالح السودان مع حلفاء إسرائيل في منطقة منابع النيل على اختلاف أهدافهم ومواقعهم. ورغم أن حكومة الخرطوم بادرت إلى تبرئة حكومة جوبا من علاقتها بضرب مصنع السلاح، إلا أن ذلك لا ينبغى أن يصرف النظرة المتأملة الفاحصة عن البحث في قائمة المستفيدين من إضعاف الإمكانيات العسكرية السودانية في هذه المرحلة التي يواجهها تهديد أكثر من جهة .. من المؤكد أن السلاح السوداني مهما كانت قدراته لا يشكل خطرا على إسرائيل، وبالتالي فإن ضرب مصنع ينتج أسلحة تقليدية، لا يشكل هدفا مهما يستحق أن تعرض إسرائيل علاقتها الدولية للخطر بسببه، وبالتالي يصبح السؤال المشروع من المستفيد؟ وهنا من السهل إدراك أن المستفيد هو تلك الأطراف الداخلة في نزاع مسلح تقليدي مع السودان. وبالرغم من الاتفاقيات الموقعة مع دولة الجنوب المنفصلة حديثا لايزال خطر احتمال الدخول في نزاعات مسلحة مع حركات الانفصال في دارفور قائما إلى جانب حركات الانفصال المتوقفة في شرق البلاد. فهل ، بعد كل هذا يصعب الاستنتاج أن الضربة الموجهة إلى مصنع السلاح «خدمة» تقدمها إسرائيل لحلفائها المتصارعين مع الخرطوم، مع ما يحققه من الهدف الاستراتيجي وهو «تفتيت» السودان، باعتباره الدولة المؤهلة، ثقافيا وعرقيا واجتماعيا، للوقوف في وجه المشروع الإسرائيلي في قارة أفريقيا؟.. المؤكد أن السودان لا يملك قوة عسكرية تخافها إسرائيل، أو تهدد أمنها وسلامتها، ولا يتبقى من الأسباب المنطقية التي تدفع إلى ضرب المصنع، إلا أن تلك خدمة عسكرية تقدمها إسرائيل لحلفائها، وفرصة تحقق من خلالها زيادة احتمال تفتيت الوحدة السودانية، وإشغال الخرطوم بنفسها دون التفكير في غيرها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.