الانتظار الآن هو سيِّد الموقف ممَّا يحدث في سوريا؛ فالنتائج الأوَّلية، المباشِرة، الفورية؛ ثمَّ النتائج النهائية، لعمل بعثة المراقبين العرب هي التي في ضوئها ستُرى وتتضح معالم المسار الجديد للأزمة السورية، والتي هي، من حيث الجوهر والأساس، أزمة في بنية وقوام العلاقة بين نظام حكم بشار الأسد والشعب السوري، وليس ممكناً تخطِّيها وحلها، على ما ثَبُت وتأكَّد، من طريق "الإصلاح" الذي يقترحه، وينادي به، ويدعو إليه، نظام الحكم نفسه. وإنَّنا يكفي أنْ نسأل "هل تنجح البعثة في مهمتها، وفي تأدية عملها؟" حتى نَجِد أنفسنا مطالبين بتحديد وتوضيح المقياس الذي به نقيس النجاح من الفشل؛ وهذا "المقياس" إنَّما يكمن في تعريف هذا "النجاح"، أو في معرفة "كيف يكون"، مع أنَّ هذا الأمر لا يمكن وزنه إلاَّ بميزان النسبية؛ فإنَّ كل طرف من أطراف الأزمة، وما أكثرهم، يميِّز "النجاح" من "الفشل" بما يوافِق مصالحه هو؛ فَلْنَتَّخِذ من مصلحة الشعب السوري، وثورته التي لا تخالطها أشياء غريبة عنها، وليست من جنسها، مقياساً نقيس به "نجاح" عمل "البعثة" من فشله. ومع أنَّ المراقبين العرب أنفسهم، وبحُكْم الاختلاف في مواقف الدول التي إليها ينتمون، ليسوا بالمتجانسين في نظرهم إلى الأمور، وفي تفسيرهم لِمَا يرون ويعاينون، فإنَّ من الأهمية بمكان أنْ نُذكِّر دائماً بالغاية التي من أجلها جاءوا، والتي هي حماية المدنيين من المواطنين السوريين؛ فكيف تكون "أو يجب أنْ تكون" هذه "الحماية"؟ وما هي المعاني الحقيقية والواقعية ل "حماية المدنيين من المواطنين السوريين"؟ إنَّ المدنيين من المواطنين السوريين، العُزَّل، الذين لا يحملون ولا يستعملون السلاح في صراعهم من أجل نيل حقوقهم السياسية والديمقراطية، ولا يتعرَّضون للممتلكات العامة والخاصة، وللمقار والأبنية الحكومية، بالحرق والتدمير والإتلاف، والذين ينزلون إلى الشوارع والساحات والميادين، للتظاهر والاعتصام ضدَّ نظام الحكم، ومن غير أنْ تُرخِّص لهم وزارة الداخلية "وأشباهها من السلطات" في ذلك، ويمارِسون كل أساليب وطرائق الصراع السلمي، هم الذين من أجل حمايتهم جاءت بعثة المراقبين العرب، على ما يُفْتَرِض ويُتوقَّع ويُؤمَل. و"الحماية" لهؤلاء لا تعني، إنْ في نصِّ التكليف، أو في العمل والممارسة، أنْ يستعمل المراقبون العرب السلاح لحماية المدنيين في حراكهم الشعبي الثوري؛ فتأدية هؤلاء المراقبين لعملهم على خير وجه إنَّما تتطلَّب وتستلزم، أوَّلاً، وقبل كل شيء، جَعْل مواضِع وأماكن الحراك الشعبي "من مُدُنٍ ومراكز سكَّانية أخرى" خالية من الدبابات، ومن سائر القوى العسكرية والأمنية لنظام الحكم، ومن المنشقين عن الجيش؛ فإنَّ كل مسرح للحراك الشعبي الثوري يجب أنْ يخلو من "وأنْ يكون بمنأى عن" كل ما من شأنه أنْ يتسبَّب بإخراج الصراع بين الشعب ونظام الحكم عن "سِلْمِيَتِه"، التي بحفظها وصونها، والتزامها قولاً وفعلاً، يصبح ممكناً قياس الوزن السياسي والشعبي لنظام حكم بشار الأسد وللثورة عليه. وأحسبُ أنَّ مدينة "أو مسرحاً للحراك الشعبي الثوري" كحمص يجب أنْ تكون موضع الاختبار الحقيقي لعمل المراقبين العرب؛ فهؤلاء ينبغي لهم "أيْ لجزء منهم" أنْ يتوجَّهوا إليها سريعاً، ليتأكَّدوا بأنفسهم "وليعلنوا ذلك من ثمَّ" أنَّ المدينة استوفت، أو لم تستوفِ بعد، الشروط العسكرية والأمنية لجَعْل الحراك الشعبي فيها آمناً، سلمياً. المراقبون العرب يجب أنْ يكونوا موجودين في كل ساحة من ساحات الحراك الشعبي، وعلى مقربة من كل حراك، ليراقبوا طرفيِّ الصراع، وليُوثِّقوا كل ما يقع من خرق وانتهاك لشروط الحفاظ على سِلْمِية الصراع، وليَقِفوا بأنفسهم على منسوب الحقيقة والصِّدقية في مزاعم وادِّعاءات كلا الطرفين، وليُعْلِنوا على الملأ النتائج التي توصَّلوا إليها؛ فالحراك الشعبي الثوري هو حقٌّ للشعب السوري، لا ريب في شرعيته، وإنْ لم يستوفِ شرعيته من وجهة النظر القانونية لنظام الحكم؛ ولا بدَّ للمراقبين العرب من أنْ يتصرَّفوا ويعملوا بما يؤكِّد احترامهم لهذا الحق، وحرصهم على النأي بهذا الصراع عن كل ما من شأنه إخراجه عن "سِلْمِيَتِه"؛ فإنَّ الحفاظ على "سِلْمِية" الصراع بين الشعب ونظام الحكم، لا إنهائه بما يلحق الضرر بالمطالب والأهداف الديمقراطية للثورة السورية، هو جوهر وأساس مهمة المراقبين العرب، على ما يُفْتَرَض ويُتوقَّع ويُؤمَل، إذا ما كانت مصالح وحقوق الشعب السوري هي المرجعية التي إليها يُرْجَع لمعرفة "النجاح" من "الفشل" في عمل وجهود بعثة المراقبين العرب. دعوا الصراع السلمي بين الطرفين يأخذ مداه؛ ففيه، وبه، تَظْهَر موازين القوى على حقيقتها، وتتغيَّر بما يسمح، وبما يقيها، ويقي سوريا، شعباً ووطناً ودولةً، شرور قوى دولية وإقليمية ليس لديها من المصالح والأهداف إلاَّ ما يجعلها معادية لكل ما هو أصيل وثوري حقَّاً في الحراك الشعبي السوري.