عسكرة الاحتجاجات المدنية السلمية المطالبة بالإصلاح في سوريا كان دركا خطيرا انجرفت إليه أو جُرفت إليه بدفع خارجي متكالب قوى أعماها الثأر والإحساس بالعجز عن رؤية السم المدسوس بعسل السلطة الذي يغري المتعطشين لها وبأي ثمن كان، حتى لو كان الثمن الدخول بغيبوبة الضياع . الشعب لا يريد إسقاط سوريا، الشعب لا يريد عراقا جديدا فيها، ولا يريدها حقل تجارب لغربان الناتو، الشعب لا يريد فدراليات الأقاليم التي تلوح بها أعلام نهّازي الفرص التي تسعر نيران الصراع القومي في المنطقة، حيث الدفع بشبيحتهم بين صفوف المطالبين بالتغيير المنتظر، الشعب يريده تغييرا وطني المنابع، في سوريا جديدة لا تتنفس غير أنسام الديمقراطية المقاومة لكل أشكال القهر، خارجيا كان أم داخليا. الشعب لا يريد تتريك أو صهينة أو أمركة المطالبات الشعبية المشروعة التي ينادي بها، الشعب يريد إسقاط سياسة الحزب الواحد، الشعب يريد إسقاط احتكار السلطة، الشعب يريد إسقاط سياسة الدولة البوليسية، الشعب يريد إقامة دولة المواطنة المصانة بكامل حقوق الإنسان، الشعب يريد دولة تخدم الشعب وليس العكس، الشعب يريد تكافؤ للفرص، يريد حرية في اختيار ممثليه وفي التعبيرعن ذاته، الشعب يتطلع لدولة شفافة تقاوم الفساد والاستبداد... لقد أثبتت أغلب التجارب القريبة، وليست البعيدة، بأن معظم معارضات الخارج التي تتأقلم مع متغيرات الإقليم، ستكون مستعدة لركوب أي قطار يوصلها لمحطة السلطة، أي سلطة، حتى لو كانت مرهونة بعبودية ووصاية صاحب القطار، وهي بهذا المعنى منتهية الصلاحية الوطنية، وخير مثال، وأقربه لسوريا هو ما حصل لمعارضات العراق التي استوطنت الخارج، وأقلمت نفسها مع متطلباته، لا مع المتطلبات الوطنية التي لا بد لها من أن تفرض عليها قيم الزهد التي تنجيها من الارتزاق. وإذا اخذنا توصيف هيلاري كلنتون لحالة التسليح الجيدة للمجاميع المسلحة المعارضة للنظام في سوريا بعين الاعتبار فإننا نستنتج بأن هناك رعاية غربية ودراية خفية بحقيقة تلك المجاميع، وهي لا تبخل عليها بالدعم المستور، وبأن ما يعلنه النظام عن وجود تدخل خارجي ميداني ينظم أعمالا تخريبية وإجرامية متعمدة داخل المدن السورية ليس تجنيا على الحقيقة وليس محاولة منه للتملص مما يجري. جماعة المجلس الوطني السوري يتمنون تدويل الوضع السوري، ويقدمون أنفسهم كممثلين شرعيين عن الشعب السوري، من دون إجماع عليهم من معارضة الداخل والخارج، ويرفضون أي حوار مع النظام حتى لو كان هذا الحوار جديا، مما يعني أنهم اتخذوا قرارات مسبقة منسجمة مع أجندة الدول الداعمة والمحرضة.