مع التحول إلى مرحلة بناء الدولة في أفغانستان والعراق، تقلصت الفاعلية الأمريكية في المجالين العسكري والسياسي، فإنهاك الجيش وعدم تمتع الحربين بالدعم الشعبي الأمريكي وبخاصة حرب العراق، أدى إلى تآكل القوة السياسية المحلية للرئيس بوش في أواخر عهده، وظهرت العوائق أمام الالتزام الأمريكي طويل الأمد بالقضية العراقية، أو باستخدام القوة في مسرح عسكري جديد. وفي الوقت الذي عززت فيه الولاياتالمتحدة قواتها في العراق بصورة مؤقتة، وشهدت البلاد تحسنًا في الأوضاع الأمنية، وقّعَت في نوفمبر 2008م المعاهدة الأمنية مع العراق بشأن بقاء القوات، والتي حددت الانسحاب من المدن العراقية إلى قواعد في المناطق المفتوحة في صيف 2009م، ثم الانسحاب النهائي بنهاية 2011م. ولكن تلك الاتفاقية ركزت بصورة أكبر على التواريخ، وليس على المعايير الكيفية، مما يجعل من الصعب على الولاياتالمتحدة الالتزام بذلك الجدول الزمني. وفي فبراير 2009م أعلن الرئيس أوباما عن نيته سحب معظم قواته المقاتلة بحلول أغسطس 2010م. وعلى النقيض فإن إيران تسير في برنامج فعَّال للحصول على النفوذ في العراق، فبعد الانسحاب الأمريكي من العراق من المتوقع أن يتخذ النفوذ الإيراني أحد شكلين: إذا ما ظلت العراق تحافظ على حكومة مركزية قوية؛ فإن إيران ربما تمارس نفوذها السياسي والاقتصادي على الحكومة . أما إذا ما ضعفت الحكومة المركزية العراقية واستطاعت التجمعات العرقية والإثنية أن تدير شئونها بصورة مستقلة عن بعضها البعض أما الخطأ الأمريكي الآخر فاتضح في السياق الفلسطيني، ففي عام 2006م أدت الضغوط الأمريكية إلى موافقة إسرائيل على مشاركة حماس في انتخابات السلطة الفلسطينية، ولدهشة الولاياتالمتحدة وإسرائيل فازت حماس بالانتخابات، وسيطرت في النهاية على قطاع غزة. كما ظهر عجز النفوذ الأمريكي جليًّا في قضية أخرى، وهي قضية البرنامج النووي الإيراني. وهذا العجز ظهر في ثلاثة عوامل: الفشل في بناء تحالف دولي موسع يدعم العقوبات وعدم وجود مصداقية للتهديد الأمريكي ، والعامل الثالث هو تصميم إيران أمام التردد الغربي. فالقيادة الإيرانية تعتبر البرنامج النووي من مصالحها الاستراتيجية العليا، وتستعد لدفع ثمن باهظ للحصول عليه. ولا ترى إيران أن الغرب، المتردد في دفع ثمن المواجهة، قادر على تنحية مسار القطار الإيراني عن وجهته، وقد خرجت بعض التصريحات في الغرب مؤخرًا تحمل معانٍ ضمنية بضرورة تعلم العيش مع إيران النووية، وظهر ذلك في تقارير عن النوايا الأمريكية لتقديم "غطاء نووي" إلى اسرائيل وبدون تغير عاجل في السياسات فمن المتوقع أن تنجح إيران في ضرب تعتيم كبير على برنامجها النووي في المستقبل القريب.