عرض - منير عبدالقادر في الجزء الثالث والأخير من مؤلف الأستاذ أحمد محمد محمود جمهرة الرحلات إلى مكةالمكرمة والذي ضم نحو مائة من التجارب السردية للروائيين من الدول الإسلامية والأجنبية عن رحلاتهم إلى الحج، يتطرق المؤلف اإلى الرحلات المحرَّمة إلى مكةالمكرمة ويقول: حفلت المكتبة الأوروبية بقصص عدد من المغامرين - المسيحيين- ممن نجحوا في دخول مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، رغم أنهما ممنوعتان على غير المسلمين، وتعددت أغراض هؤلاء المغامرين بين جواسيس تنافست القوى الكبرى المسيحية إبان بدء توسيع نفوذها الاستعماري في البلاد الاسلامية على إرسالهم لمعرفة حال الحجاز واتجاهاته، وبين مدعي البحث العلمي والإستكشاف لأماكن مجهولة عند الغربيين المسيحيين، وبين بعثة رسمية كتلك التي ارسلها ملك الدانمرك في القرن 18م لاستكشاف الجزيرة العربية ورسم خرائط لها، وبين من رمته الأقدار - ممن بيعوا في أسواق العبيد- للقيام بالحج مع أسيادهم، أو للحرب في صفوفهم. وما بين 1503- 1948م كان هناك 54 مغامراً من الأوروبيين المسيحيين ممن دخلوا مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة وعادوا منها ليكتبوا عن تجربتهم، وكان منهم من أسلم فعلا وحسن اسلامه، أما البقية فلم توحدهم الأغراض في هذه المغامرة، فمنهم المتظاهر في رحلته بالسياحة، ومنهم الأسير في الحرب، ومنهم الجاسوس، ومنهم الهارب من الجندية في بلاده، ومنهم العالم، ومنهم الباحث عن الشهرة، ومنهم المغامر لمجرد المغامرة، وفي العديد من المحاولات التي تم اكتشافها لم يتعرض المغامرون إلى القتل، كما يدعي المتحاملون على الاسلام، بقتل من يقبض عليهم منهم بمكة والمدنية، بل كل ما فعل بمن افتضح أمره منهم، أن أبعد من الأماكن المقدسة وأعيد لبلاده. وكان أول أوروبي يشار إلى نجاح رحلته إلى مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة عام 1503م، ويصفها في كتاب : هو - الإيطالي- لودوفيكو دي فارتيما والذي كان معاصرا للرحلة - فاسكو دي جاما، لكن مصادر أوروبية أخرى تشير إلى أن البحار والمستكشف الايطالي - جيوفاني كابوت - المولود في جنوا عام 1450م، كان الأسبق إلى زيارة مكةالمكرمة ممثلاً لاحدى شركات البندقية ما بين 1476- 1490م، كما ورد في بعض المصادر الأوروبية أن - بدور دي كوفيلها- البرتغالي، الذي كان مبعوث الملك البرتغالي -جان- إلى الحبشة، زار مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة عام 1487م، لكنه لم يترك وراءه تفاصيل عن رحلته هذه، ومن بعده كان - البرتغالي جريجوريودا كوادرا، والذي تولى كتابة قصة رحلته - دامياودي غويس، حيث روى أن سفينته جنحت به عام 1509م إلى زيلع بالحبشة عندما كان ضمن حملة برتغالية لتأمين البحر الأحمر بحيرة برتغالية، وتم ا سره وارسله آسروه إلى - زبيد- هدية منهم لملك عدن، وأطلق سراحه بعد بضع سنوات، وتظاهر - داكوادرا- بانه مسلم ورع، يريد زيارة المدينةالمنورة للسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانضم إلى قافلة الحج الشامي عائداً إلى بلاده، فمر على المدينةالمنورة في حدود عام 1513ه ، وفيها افصح عن هويته الدينية بأنه مسيحي ولكنه لم يتعرض لسوء، بل اعتبره أهل المدينة في حالة - جذب- وأعانوه بالمال والأرزاق، فواصل رحلته إلى الشام، ومنها إلى بلاده التي وصلها عام 1520م، ومن بعده الفرنسي- فانسان لا بلان عام 1568م، وتبعهم النمساوي يوهان فايلد عام 1607م، وتذكر الروايات كذلك زيارة المطران ماثيودي كاسترو عام 1643م للمدينة المنورة متنكرا، في طريق عودته من مهمة تبشيرية إلى روما عبر مصر مرورا بالجزيرة العربية، خوفا من أن يقع في قبضة البرتغاليين، "ولا شك أنه إذا صحت روايته يكون المطران والقاصد الرسولي الوحيد الذي زار المدينةالمنورة، لكنه لم يكتب بنفسه شيئاً عن هذه الزيارة" وبعده جاء - الانجليزي- جوزيف بتس دكستر عام 1680م، والذي كان قد أسر في الشواطيء الاسبانية وبيع لأحد التجار، ولم يكن له أهداف من رحلته مع سيده سوى التفكير في الخلاص والعودة إلى بلاده، وبعد رحلة - بتس- للحج ب 127 عاما جاء الاسباني دومنجو باديا لا بليخ عام 1807م، الذي جاء إلى الحج جاسوسا لنابليون بونابرت، ومن بعده عام 1809م جاء الروسي أوليريخ سيتزن، ومن بعده الايطالي جيوفاني فيناتي، الذي جاء جنديا مع جيش محمد علي باشا في غزوه للحجاز ونجد في القرن 19م، ثم جاء الرحالة السويسري الأشهر يوهان لودفيج بوركهارت في القرن 19م، ومن بعده الفرنسي ليون روش، ومن بعده الفنلندي- فالين- عام 1843م ومن بعده الرحالة الانجليزي الذي لا يقل شهرة: ريتشارد بيرتون، وتردد أن السفير السويدي بالقاهرة "م. بيرتولوشي" هو الوحيد في هذه الفترة الذي دخل مكةالمكرمة متخفياً برفقة البدو، لكنه - ربما لخوفه- لم يترك تفاصيل مغامرته هذه، ومن بعده الانجليزي جون فرير كين عام 1877م، وجاءت رحلة الكونتيسة ما ليجناتي وهي المرأة الوحيدة المسيحية التي دخلت إلى المدينةالمنورة، وليختم المشاهير من ا لرحالة الأوروبيين بالهولندي: سنوك في الربع الأخير من القرن 19م. رحلة الحاج يونس المصري اشتهر الايطالي المنحدر من - بولونيا- لودفيكو دي فارتيما، بأنه أول اوروبي مسيحي يدخل مكةالمكرمة، والمدينةالمنورة، وكان يفضل أن يطلق عليه "نبيل من روما" وقد كان معاصرا للمكتشف البرتغالي - فاسكو دي جاما، وقام - فارتيما- برحلته الطويلة بعد أربع سنوات من اكتشاف رأس الرجاء الصالح عام 1498م، وبدء البرتغاليين في سحب واحتكار تجارة التوابل في الهند من العرب والمسلمين، ولا يعرف الكثير عن حياته عدا أنه ولد عام 1465م في بولونيا، بعيد سقوط القسطنطينية عام 1453م على يد السلطان العثماني محمد الفاتح، ومن بولونيا مسقط رأسه رحل إلى البندقية، وولدت معه غريزة قوية لحب الاستطلاع والمغامرة، ومعترفا بأنه "أراد التحقق من الأوضاع والأماكن ومعادن البشر، وتنوع الحياة الفطرية، وتنوع الحياة الزراعية وما فيها من أشجار وفواكه في الشرق الاسلامي في : مصر، سوريا، الجزيرة العربية، واليمن السعيد، فارس ، الهند، اثيوبيا، ومن رأى أفضل عشر مرات ممن سمع "وخلال رحلته في الشرق الاسلامي، انتظم جنديا في الجيش البرتغالي في الهند، وكان يتعلم اللغات في البلاد التي يمر بها، ويعتنق دياناتها، ويتخلى عنها عندما ينتفي الغرض منها، بنفس السهولة التي يعتنقها. بدأت رحلته التي استغرقت خمس سنوات "وكان هدفه" أن أرى البلاد التي لم يرها أهل البندقية من روما متجها إلى البندقية عام 1503م.متنكراً ك "سوري" وصل إلى طرابلس وهي سوق لسوريا وتركيا، وممر عظيم للبضائع، خاصة الفارسية، ولاحظ خصوبة أرضها ولما وصل إلى حلب المزدهرة بشتى البضائع الآسيوية، أعجب بها، ومنها إلى دمشق وكان اعجابه بها كبيرا، حيث كان بنو جلدته البنادقة متواجدين فيها، على الطريق التجاري إلى الهند منذ القرن 13م، وتظاهر "بالاسلام" منذ دخوله أرض العرب، وتعلم العربية في دمشق وانتحل اسم - الحاج يونس المصري- وانخرط جنديا في جنيش المماليك الذي كان يحكم الشام، ويبسط سيطرته على الحجاز، مما سهل له دخول مكة كجندي من جنود المماليك ومكة كانت طوال 900 عام لا يعرف عنها الغرب المسيحي شيئاً. وخلال توقفه شاهد استعداد القوافل للانطلاق لاداء الحج وقد تعرف في ابريل 1503-908ه، على "امير الحج المملوكي، ودفع له مبلغا كبيرا من المال ليسمح له بمرافقته في الحج حارسا من حراسها، وعد القافلة التي تجمعت للانطلاق الى الحج، والمكونة من "35" الف جمل، 40 الف شخص، وعدد آخر من الخيول وتحركت قافلة الحج من دمشق إلى - المزيريب - وكان الرحالة ضمن 60 جنديا، كلفوا بحراستها طوال الطريق في رحلة تستغرق - 40 نهارا الى مكةالمكرمة - وبعد 20 ساعة من السير اصدر قائد القافلة اشارات معينة لتوقف القافلة، وتوقفنا 24 ساعة، وتم انزال الاحمال من فوق ظهور الجمال، وراح الجميع يعدون ويتناولون طعامهم، واطعام دوابهم، ثم تلقت القافلة اشارة من قائدها، فأعاد الجميع الأحمال الى ظهور الجمال في الحال، واستأنفت سيرها". وطوال الطريق كانت القافلة تستقي من آبار وأحواض، أو تحفر في الرمل بحثا عن الماء "وبعد ثمانية ايام تتوقف القافلة ليومين لتستريح الدواب التي انهكها السير المتواصل، ومرت القافلة بأرض - قوم لوط - واعتقد بناء على ما رأيت ان شعبا شريرا كان هنا، فكل ما يحيط بمنازلهم صحراء قاحلة، فالأرض موات لا تنبت ما يؤكل، والماء معدوم، وقد عاقب الله هؤلاء لانهم كفروا بأنعه، وبقيت ارضهم خرابا لتراها الأجيال". وتعرضت القافلة الى هجوم من قطاع الطرق حاصرونا نهارين كاملين، وبعدها نفذ ما لدينها ولديهم من ماء "فواصلت القافلة سيرها مارين بمنطقة جبلية وجدوا فيها "بركة تجمعت فيها مياه الأمطار، ووجدنا قمريتين وبدا لنا ذلك معجزة بعد سفر 15 يوما في هذا القفر القاحل الذي لم نر خلالها طيرا واحدا "وعلى مشارف "مدينة النبي"، توقفت القافلة عند بئر "حيث استحم كل فرد، وارتدى الجديد من ثيابه، ثم ارتوت القافلة ودخلت الى المدينةالمنورة، ومكث فيها أربعة أيام، ولتتاح للرحالة تصحيح معلومة كان رائجة بين نصارى أوروبا" رأيت فيها قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكذب من قال: أنه معلق في الهواء بمكةالمكرمة". وقدم وصفا للمسجد النبوي، "وطوله 100 خطوة، وعرضه 80 خطوة، ويوجد بابان في كل جهة من جهاته الثلاث، والجهة الرابعة - القبلة - لا أبواب فيها، وبه 300 عمود مطلية باللون الأبيض، و3000 مصباح تضاء ليلا، وداخله مكتبة فيها كتب عن حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يخل ما قدمه الرحالة عن المسجد النبوي، وحياة الرسول وصحابته من خلط، وأخطاء، لعل الوقت لم يسعفه لتدقيقها، فأعتمد فيها على ما كان لديه من معلومات". وبعد انتهاء أيام الزيارة جهزنا أنفسنا للرحيل، مع مرشدينا، الذين راحوا يتفحصون البوصلات والخرائط الضرورية للسفر، وظللنا نسافر في بحر من الرمال خمس نهارات وخمس ليال، في سهل مستو مليء بالرمال البيضاء الناعمة كالدقيق، هبّت رياح لم يكن باستطاعة رفاقنا معها أن يرى بعضهم بعضا على بعد عشر خطوات كانت القافلة التي غادر فيها الرحالة الى مكةالمكرمة مكونة من - جمال - وركابها في محفات يأكلون وينامون داخلها ولقلة الماء ذكر الرحالة موت الكثير من أفراد القافلة من الظمأ ومات عدد أكبر عندما وجدوا الماء، وشربوا كثيرا حتى ارتووا وظل في سفر دائم لعشرة أيام حتى وصل إلى مكةالمكرمة في 18 مايو من عام 1803م، اي بعد 5 شهور من مغادرته البندقية، فدخلها من شمالها، ووصف مكة قائلا: "وهي مدينة رائعة الجمال، قد أحسن بناؤها، وتضم 6000 أسرة، ومنازلها جيدة تماما، ولا يحيط بها سور، بل تمثل الجبال اسوارا لها، ولها اربعة مداخل، وحاكمها احد الأشراف، وهو في نزاع مع أقاربه على الإمارة ثم قدم وصفا لجبال مكة، ونقص المياه فيها، ولخزانات المياه التي تتجمع فيها من مياه الأمطار لشرب الحجاج، وترد المؤن بحرا من القاهرة واليمن وأثيوبيا إلى ميناء جدة، ووصف قوافل الحج القادمة من مصر والمكونة من 46 ألف جمل، والتي سبقته بثمانية أيام إلى مكة والحق أقول أني لم أجد أبدا تجمعا هائلا احتشد في مكان واحد، كما رأيت في مكة خلال العشرين يوما التي مكثت فيها. وأعطى اهتماما لما يرد الى مكة من البضائع، من الهند "كميات كبيرة من الجواهر، وكل أنواع البهارات، كما تأتي بعض البهارات من أثيوبيا والبنغال مع كميات من القطن والحرير وجذبه جمال الحرم المكي وهو يشبه الكولوزيوم في روما، إلا انه غير مبني بالحجارة الضخام، وإنما بناؤه من طوب احمر، وله 90 بابا او 100 باب، ومن الصعب ان اصف روعة الروائح التي شممتها في المسجد، إنها رائحة مشبعة بالمسك، زاخرة بأكثر العطور انعاشا وابهاجا، ووصف بناء الكعبة المشرفة، وكسوتها من الحرير الاسود كما وصف - الملتزم وبه باب من الفضة الخالصة بارتفاع قامة الانسان، وفي كل ركن من أركان الكعبة حلقة كبيرة كما وصف مكان بئر زمزم ويقوم الزمزمي بصب 3 جرادل من الماء على كل حاج من اعلى الرأس الى اخمص القدم ولفت انتباهه حمام الحرم الذي يطير في كل انحاء مكة وسط سعادة الجميع، كما لفت نظره وجود حيوانين من وحيد القرن في مكة اهداهما ملك اثيوبيا لامير مكة تعبيرا عن ولائه. وبعد خمسة ايام من وصوله، بدأت شعائر الحج يوم 23 من مايو، ثم اشار الى الصعود الى عرفة، وخطبة عرفة وعندما انهى الخطيب خطبته اسرع الحجاج عائدين الى - منى - وهي مسورة، لرمي الجمار، وذبح الأضاحي يوم النحر واعتقد صادقا انه قد تم ذبح اكثر من 30 الف رأس من الغنم يوم النحر، وقدم كل ناحر اضحيته للفقراء، حبا لله وتقربا اليه وبعد انتهاء الحج، كاد امر الرحالة يفتضح، بعد ان لمحه احد الحجاج، وشك في امره وذهبت معه الى منزله، وهناك تحدث اليّ بالايطالية، واخبرني انه يعرف انني غير مسلم، ووافقته على انني ايطالي، لكنني اصبحت مملوكا في القاهرة، وعندها سر كثيرا، وراح يعاملني باحترام وتداولا في اسباب اختفاء تجارة البهارات في مكة، بسبب سيطرة البرتغاليين عليها، وانتزاعها من يد العرب والمسلمين وتظاهرت بالحزن العميق، وارسلت فيضا من السباب على البرتغاليين، مخافة ان يكتشف سعادتي لنجاح المسيحيين في اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، وتحويل تجارة التوابل عبره الى اوروبا كما ناقش معه كيفية خروجه من مكة، وترتيب سفره الى الهند فغادر مع قافلة الحجاج الهندية ووصف - جدة - التي لا يحيط بها سور، وإنما هي محاطة بمنازل في غاية الجمال كما في ايطاليا، إنها مدينة مزدحمة جدا، وعندما وصلت اليها، انزويت في احد المساجد بها مدة 14 يوما، منطرحا لما اصابني من آلام في بدني ومعدتي ووصف جدة كما سبق وصفه للمدينتين المقدستين بشكل مقتضب جدا سكانها 500 اسرة، ولم يحدث لي هنا الكثير مما يمكن ان ارويه، فالسكان مسلمون، والأرض لا تنبت شيئا، والمياه العذبة نادرة، وموج البحر يلطم جدران المنازل، وكل انواع الضرورات متوفرة، وبها عدد دائم من المرضى، ويعزون ذلك لرداءة الهواء، ويحظر على المسيحيين دخول مينائها. رحلة الرحالة جورج فالين ولد الرحالة جورج اوغسط فالين في جزيرة اولاند الفلندية عام 1811م، وتلقى تعليمه الاولي في مدرسة كنسية بمدينة - أبو - العاصمة القديمة لبلاده، ثم أكمل تعليمه بجامعة هلسنكي، ودرس اللغات الفرنسية والروسية والانجليزية والألمانية والسويدية والعربية والفارسية والتركية، وفي عام 1836م كان قد اتقن تسع لغات كان احبها إليه اللغة العربية والفارسية ونال الدكتوراه من جامعة هلسنكي على اطروحته "الاختلافات الأساسية بين اللغة العربية الفصحى والحديثة" وعمل بعدها محاضرا بالجامعة، وبعد وفاة والده عام 1837م، غادر الى بطرسبرج في روسيا ليدرس لعامين بمعهد الاستشراق، وفي بطرسبرج تعرف على الشيخ محمد عيّاد المصري الطنطاوي الذي كان يدرس اللغة العربية، وله رحلة بعنوان - تحفة الأذكياء بأخبار بلاد روسيا - ومنه تعرف على تعاليم الإسلام. في ابريل من عام 1845م توجه برا الى عمان، مارا بالعقبة، ومنها الى الجوف - بوابة النفود - التي وصلها في 25 من مايو، وقضى بها ثلاثة شهور، وتوجه منها الى حائل وكان يحكمها عبدالله بن الرشيد، وهو رجل يمتاز بشجاعته الشخصية، وحيازته ونشره الفضائل التي تلازم كل شيخ ناجح، وكل شخص يصل الى حائل وليس له اقارب او اصدقاء، يسمح له بالاقامة في قصر الامير حيث يحصل على الضيافة طيلة مقامه، واما قبيلته - شمر - فهم شعب مغامر جدا، مع نزعة طبيعية للتجارة والحملات الحربية. وكان يؤمل ان يخترق من حائل الى عمق نجد في طريقه الى الرياض، وبعد شهرين في حائل، ونفاد ما لديه من نقود، التحق بقافلة حجاج فارس، الى مكةالمكرمة عام 1846م، لاداء الحج وزيارة المدينةالمنورة، ورغم انه لم يكن يخفي تسجيله وكتابته لمشاهداته، الا انه منذ لحظة التحاقه بقافلة الحج من حائل توقف عن التسجيل، بسبب شعوره بالمخاطر بين هذه القافلة من جهة، وبسبب ان القافلة كانت تسير سيراً سريعاً، فقد قطعت الطريق من حائل الى المدينة في 85 ساعة وهو زمن قياسي، مما عرضه للارهاق اضافة الى عزلته بين حجاج فارس، مما حال بينه وبين طرح اسئلة على افرادها، وما ان وصل الى المدينة حتى افترق عن قافلة الحج الفارسي وتوجه الى جدة، فهل اكمل طريقه الى مكةالمكرمة كما في بعض الروايات، ام ان المرض اقعده حتى عاد منها الى القاهرة؟ ليست هناك اجابة قطعية شافية على السؤال. وعام 1848م وتأهب لرحلة اخرى الى الجزيرة العربية، ووجهته نجد هذه المرة، وانتهت هذه الرحلة بالفشل، بعد ان اكتشف امره انه مسيحي منتحل للاسلام، فغادر الى فارس، وكاد يموت في هذه الرحلة من الجوع، لولا ان انقذه قبطان بريطاني اوصله الى البصرة، ومنها الى بغداد. كانت رحلته الثانية الى الجزيرة العربية، والتي زار خلالها مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، قد قام بها عن طريق - المويلح - على البحر الاحمر "وكانت رحلته هذه شاقة ومضنية وطويلة، وصل فيها الى تبوك في 20 فبراير 1848م" وكان الطريق مليئا بالحجارة السوداء المتناثرة هنا وهناك، ومن آن لآخر تكومات كالاهرام من الصخور، اما جبال المنطقة فتتكون من صخور رملية، لكنها مغطاة بالحجارة، ويمكن فقط رؤية الجانب الرملي الاحمر منها عندما تُفحص عن قرب". زار عام 1848م المناطق والاثار التي لم يزرها في رحلته الاولى، فزاد تيماء والتي لم يكن قد زارها اوربي من قبله وسجل في رحلته هذه المعلومات لم يسجلها رحالة غربي من قبله، حيث كان اول اوروبي اخترق شمال الجزيرة العربية بكاملها حتى حائل، والتي توجه منها الى المدينةالمنورةومكةالمكرمة في رحلته الاولى، ولم يكتف بتسجيل ملاحظاته عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية لسكان البادية العربية، بل دون سجل معلومات جغرافية هامة، تنم عن ذكاء شديد، وتتصف بالدقة، وكانت مكانته العلمية قد اهلته لان ينصرف الى تدوين المعلومات بدقة، وكأنه لا يريد ان يترك الاول للآخر من بعده من الجوالة الغربيين شيئا يضيفونه عن الجزيرة العربية. واعتبره الدارسون لرحلاعت الاوروبيين انه اكثر الرحالة الغربيين تجوالا في شمال الجزيرة العربية، بعد ان قضى متجولا في البلاد العربية وفارس سبع سنوات في حرية، وبلا خوف ولا وجل، ولقي من العرب تفهما ولم يجد صعوبة في التحدث معهم، والانسجام مع بيئتهم وحياة البدو الرحل، وذلك لمتانة لغته العربية من جهة، ولحسن اسلوبه واخلاقه وهندامه. ويسجل له انه اول اوروبي يصل الجوف ،بل ويعتبر أكبر الرحالة الذين انجبتهم -فنلندا- عبر مختلف العصور وهو أشهرهم من ابنائها على الاطلاق. وبعد رحلاته الى الشرق، عاد الى هلسنكي عام 1850م، ومعه 34 كتابا و19 مخطوطا عربيا اشتراها لمكتبة جامعته فعين في جامعته استاذا للغات الشرقية، وفيما كان يعد لرحلة جديدة الى الجزيرة العربية وافته المنية عام 1852م عن 41 عاما بداء السفلس، ومن يزر جامعة هلسنكي يجد صورة "فالين" فيها وهو بلباسه العربي. وعندما نُشرت مذكرات رحلته الى البلاد العربية، ومكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، ذاع صيته في أوروبا وعرفت اوروبا فضله وقيمته، واعتبرته من الرحالة الرواد، خاصة بعد مساهماته مع عدد من المستشرقين في وضع خريطة تفصيلية لبلاد العرب.