منذ أسابيع اتصلت بصديق الطفولة وزميل الدراسة أمين، ذلك الإنسان الذي يميزه هدؤوه، ودماثة أخلاقه، وحسن صحبته، والذي رافقته من سن السادسة في الصف الأول الإبتدائي في مدارس الثغر النموذجية بجدة. اتصلت بأمين أذكَّره بدعوة السحور التي كنا مدعوين لها مع مجموعة الفصل الذي جمعنا من عام 1960. إعتذر أمين عن الحضور وقد عرضت عليه أن نذهب سويا إلى حيث نلتقي الزملاء، وهذا تقليد دأبنا عليه كل عام: لقاء السحور ولقاء العيد. لقاءان يحرص أكثرنا على حضورهما للتهنئة بحلول رمضان، ويليه التهنئة بعيد الفطر. اعتذر أمين وهو من الحريصين على لقاء الزملاء و صوته يدل على توعكه الذي بدأ يشكو منه منذ أشهر قليلة. واليوم وقد مر قرابة الاسبوعين على دعوة السحور تلك، تصلني قبيل الافطار، رسالة تعزية في وفاته-يرحمه الله-. تألمت كثيراً، وحزنت على وفاته حزناً شديداً. أدركت أننا عندما نفقد صديقًا عزيزًا من زملاء الطفولة، والدراسة خاصة، تتدفق مشاعر الحزن والأسى بشكل عميق، فالصداقة التي تتكون منذ الصغر، تحمل في طياتها ذكريات لا تُنسى، تبدأ من لحظات اللعب في ساحة المدرسة، إلى أوقات الدراسة والمذاكرة والمغامرات التي خضناها معًا. هذه الذكريات ليست مجرد لحظات عابرة، بل هي جزء من هويتنا وشخصيتنا. شعرت عند تلقي خبر وفاة أمين، وكأن جزءًا من طفولتنا قد فقد. تتزاحم في أذهاننا صور ضحكاته، وأحاديثنا الطويلة، وأيام السفر التي قضيناها معًا. نشعر بالفراغ الذي يتركه غيابه، وكأن الحياة قد فقدت جزءًا من بهجتها. تتجدد مشاعر الفقد مع كل ذكرى، ونبدأ في استرجاع اللحظات السعيدة التي عشناها، ومع مرور الوقت، ندرك أن الذكريات الجميلة التي تركها هذا الصديق، ستظل تضيء دروبنا، وأن تأثيره في حياتنا لن يزول. و في النهاية، رغم الألم الذي نشعر به، فإن ذكريات الصداقة والحب تبقى حية. نحن مدينون لهم بأن نحتفظ بهذه الذكريات، وأن نحتفل بحياتهم من خلال استمرارنا في العيش بشكل كامل، مستلهمين من روحهم التي ستظل معنا دائمًا.