دخلت على طبيبي، ووجدته مغمض العينين، حياني وطلب مني أن أسرد معاناتي، ظننته يمارس تمرين يوجا للاسترخاء، قال «لي لا تقلق، فأنا أشخص حالتك الآن بتقنيات جديدة تساعدني كطبيب على ذلك». وبما أن الاعتقاد السائد عند العامة أن الطبيب يمثل سلطة أبوية، انصعت إلى تعليماته على مضض، ولكن لم أستطع صبراً، فطلبت منه أن يشرح لي هذا الأسلوب في الكشف على المريض وأنا في غاية الدهشة. قال لي، «إنه الذكاء الاصطناعي يا سيدي، سيستمع إلى حديثك ويحلل صوتك، ومن خلاله يشخص المرض الذي تعاني منه، نحن الآن في مرحلة التجارب على هذه التقنية الحديثة في جامعة جنوبفلوريدا في أمريكا». وأردف قائلاً، أصوات الإنسان تحمل الكثير من المعلومات ابتداءً من ذبذبات الحبال الصوتية، وانتهاءً بأنماط التنفس عندما يتحدث الإنسان، فهي تقدم لنا الكثير من المعلومات عن صحته. وبدأ في شرح الطريقة التي تعمل بها هذه التقنية، فمثلاً إذا تحدث المريض بصوت خافت لربما هو يعاني من الباركنسون في بداياته، وإذا كان يدغم الكلام، فهذه علامات جلطة في المخ، ويحلل أنماط السعال وأسبابه، وانتهى قائلاً ويمكننا أن نشخص بعض أنواع الاكتئاب والسرطان من خلال هذه التقنية وغيرها من الأمراض. وأضاف، بأن فريق البحث سيواصل جمع وتسجيل عشرات الألاف من أصوات المرضى، ومن ثم تحويلها إلى المختصين بغرض تغذيتها في برامج لوغاريتمية لتفعيل قدراتها التشخيصية للأمراض، ومن ثم تلقي العلاج المناسب في الوقت الملائم. تطبيقات الذكاء الاصطناعي لا تتوقف عند هذا الحد، بل هناك مئات التطبيقات الذكية التي تقوم بتصميم الأزياء، والدردشة التفاعلية مع العملاء بلغة وأصوات بشرية طبيعية، وتمنع التزوير، ولها دور كبير في التعليم من خلال التحليل الدقيق لقدرات الطلبة، وخصوصاً ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن ثم تصميم المناهج وفق إمكانات وقدرات كل طالب على حدة، الخ. وأخيراً، لقد اكتشف الشاعر العملاق جورج جرداق هذه التقنية الواقعية التي يتحلى بها البشر، ونظم بيت الشعر التالي في قصيدته، هذه ليلتي وقال: فادن مني وخذ إليك حناني