يثبت لبنان، على رغم ما عاناه ويعانيه، أنه أهل للألقاب التي اكتسبها أو أطلقت عليه، ومنها "مستشفى الشرق". ومناسبة الكلام إجراء جراحة دماغية لمعالجة عوارض مرض باركنسون والحركات اللإرادية في مركز متخصص في مستشفى سيدة المعونات في جبيل التابع للرهبانية المارونية اللبنانية، هي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لأن هذا النوع من العمليات لا يزال محصوراً في عدد قليل من دول أوروبا وفي كندا. الحدث الطبي هذا شرحه في مؤتمر صحافي مدير المستشفى الأب مارون القدوم والدكتور بول بجاني طبيب اعصاب والدكتور جورج نهرا جراح دماغ اللذان أجريا العملية الثلثاء الماضي للأب انطوان مسعد 49 عاماً، وهو يعاني هذا المرض منذ 9 سنوات. واعتبر القدوم ان هذا الإنجاز "مرحلة اولى من مشروع متكامل للعلوم العصبية تتناول انشاء مركز لمعالجة الباركنسون والحركات اللإرادية، تمثلت بعملية تحفيز كهربائي في عمق الدماغ لمعالجة كل عوارض الباركنسون"، مشيداً بالطبيبين نهرا وبجاني وبمجموعة الأطباء والتقنيين والممرضين الذين تضافرت جهودهم خلال اسابيع متتالية لتحقيق هذا العمل، ومشيراً الى "قرار المستشفى الحاسم تبني المشروع انطلاقاً من رسالته الطبية والإنسانية". وأكد "ان العملية تكللت بالنجاح ونقلت المريض من حياة اعاقة الى حياة حرة كريمة". إذاً ما حصل "جزء من مسيرة علمية وطبية ضمن مشروع متكامل للعلوم العصبية في المستشفى الذي سيطور مجموعة واسعة من التقنيات الحديثة في مجالات متعددة" كما قال القدوم الذي اوضح "ان المشروع بدأ العمل به منذ ثمانية اشهر، ولولا اهليته التقنية العالية لإجراء العملية لما كتب لها ان تتم وتنجح". ثم شرح الطبيبان تفاصيل اجراء العملية، مرفقة بمقاطع من شريط فيديو مصوّر عنها. فأوضح بجاني ونهرا انها تجرى بعد استنفاد كل وسائل العلاج وعدم تجاوب المريض مع الأدوية، خصوصاً ان اسباب مرض الباركنسون غير معروفة، ويُظن انها وراثية، وعدد المصابين به في العالم نحو 2 في الألف، مؤكدين ان المركز في جبيل جهز بأحدث التقنيات المعتمدة في مستشفيي غرونوبل وسالبتريير اللذين اخترعاها. وتتطلب العملية لإنجازها ثلاثة ايام، تبدأ بوضع اطار على رأس المريض يثبت الجمجمة، ثم يخضع لتصوير مغناطيسي وعبر الكومبيوتر لتحديد المنطقة المصابة في الدماغ لا تتجاوز مساحتها 4 ملم، عندها يبدأ الفريق الطبي بدرس الطريقة المناسبة للوصول الى هذه النقطة لتلافي المرور بشرايين الدماغ، بعدها ينقل المريض الى غرفة العمليات، وتجرى له العملية استغرقت مع الأب مسعد 12 ساعة ببنج موضعي: "يمرر سلك كهربائي من ثغرة في الجمجمة سنتم واحد الى المنطقة المصابة في الدماغ التي لا تظهر دائماً في الصور جلياً، وعلينا إيجادها من خلال التقاط ذبذبات الخلايا في عمق الدماغ حوار بين الآلة والخلية، وعندما نحددها نصل الى الخلية المقصودة بسلك آخر أصغر 5 ميكرون، ومن ثم بسلك اكبر يتم عبره التحفيز الكهربائي، لنضع لاحقاً سلكاً تحت الجلد يمر من تحت الأذن إلى الرقبة فالدماغ، يكون موصولاً ببطاريتين موضوعتان في اعلى الصدر". نجاح العملية بدأ يصبح مضموناً بنسبة كبيرة تتجاوز ال95 في المئة وفشلها لا يترك اي مضاعفات او عوارض جانبية. اما كلفتها فلا تزال قيد الدرس، وإن كانت تتفاوت بين 30 و40 ألف دولار في لبنان، علماً انها في أوروبا وكندا تتفاوت بين 50 و90 ألفاً. ومدة خدمة البطارية ثماني سنوات، ولكن يجب تبديلها بعملية جراحية بسيطة، كل خمس سنوات أو ست. وأكد الطبيبان ان العملية توقف عوارض الباركنسون، وهذا ما أظهره شريط الفيديو عن المريض، إذ كان في حال يرثى لها يهتز كله، وحين اكتشفت المنطقة المصابة في دماغه، خلال العملية، وحُفّزت كهربائياً، توقف عن الإرتعاش فوراً. وبدا بعد يومين على إجرائها، إن في كرسيه وإن وهو يسير، سليماً. وتلزمه ايام للراحة ليعود الى حياته الطبيعية معافى. والطبيبان نهرا وبجاني شابان، لم يتجاوزا الأربعين، وقد آثرا العودة الى لبنان للعمل فيه، متخلين عن فرص عمل كثيرة لهما في الخارج، وسيكونان ركني المركز الجديد في مستشفى المعونات في جبيل.