ابتعث الوالد أخويا الكبير، سيدي أنور إألى ألمانيا على حسابه الخاص؛ لتكملة دراسته الجامعية، ورجع مرفوع الرأس بشهادة الماجستير في تخصص الاقتصاد والعلوم السياسية، واختار العمل في وزارة الخارجيه رغم العروض التي وصلته من القطاع الخاص بإغراءات مالية، ولكنه يعشق العمل الدبلوماسي. بحكم لغته الألمانية عينته وزارة الخارجيه للعمل في سفارتها في ألمانيا، وبحيوية الشباب وصل سريعاً إلى منصب القنصل السعودي في السفارة في عهد السفير نوري إبراهيم، رحمه الله، إلى أن انتهى به المطاف سفيراً للمملكة العربية السعودية، في دولة البرازيل . كان ذلك في بداية السبعينات الميلادية… كنت أتكلم مع سيدي أنور قبل كم يوم، وهو الذي اختار لبنان سكنا له، توزيعا بين جدة، التي يعشقها، ولبنان التي يحب أن يسترخي بهان بين حين وآخر. المهم تطرقنا إلى قصة جميلة رواها لي، وأحب أن انقلها لكم بأسلوبه الجميل .. يقول سيدي أنور : أثناء عملي في السفارة في ألمانيا الغربية في أواخر السبعينات، اتصل بي العم عمر عبدربه، وأبلغني عن رغبته في زيارة بادن بادن، فاستأذنت من سعادة السفير آنذاك المرحوم نوري إبراهيم بأن أكون برفقته، فوافق علي الفور وبالفعل ذهبت الي بادن بادن والتقيت بعمي عمر – رحمه الله – وكان معه ابن العم وابن الخالة الدكتور عبدالرؤوف، والشاعر المعروف أحمد قنديل، ومدير الدفاع المدني آنذاك العم محي الدين صواف، وكان برتبة زعيم والتي يطلق عليها في أيامنا دي بالعميد (جميعهم انتقلوا الي رحمة الله ) وكان معهم إبريق مويه جابوه معاهم من جدة، عشان يستعملوه في الوضوء وبعد دخول الحمام، لأن الألمان ومعظم الأوروبيين كانوا يستعملون ورق الحمام لتنظيف أنفسهم، ولم تكن هناك شطافات او بيديهات في الحمامات، وكان العم عمر خاصة والعم محي الدين الصواف يتناوبان علي الإبريق، ونظرًا لبعد الغرف بعضها عن بعض فكان العم محي يطلب الإبريق بصوت عال من الممر من العم عمر، أو العكس ونظرًا لانضباط الالمان وعدم حبهم للإزعاج، وخشية من طردنا من الفندق كنت اطلب من الجميع وخاصة العم محي ان يخفضوا من اصواتهم وإلا سنطرد من الفندق فمن يومها استلمني العم عمر، رحمه الله وقبل القيام بأي شيء كان يسألني هل ممكن القيام بهذا الشيء ام لا؟ وكان يعرف بأنني تطبعت بعادات الالمان، وفِي اليوم التالي أخذت الجميع بسيارتي المرسيدس الي الغابة السوداء، وتوقفنا عند احد المطاعم لتناول طعام الغداء فطلب مني شاعر القناديل العم احمد قنديل، رحمه الله، ان اطلب له مقلقل، فقلت له: أنت في المانيا وتطلب هذا النوع من الطعام، فقال لي أعطني لسانك، وتشوفني اعمل البهادل، فحولت العقلية الالمانية الى الشرقية، وعلمت بان الاكلة لا تحتاج الي تكنولوجيا ، فذهبت الى الطباخ وقلت له : الجماعة يبغوا الاكلة الفلانية وشرحت له الطريقة، وقلت اقطع اللحم الي مربعات و ضف عليهم ملح وفلفل اسود وكمون وقلقلهم، وبالفعل عمل نفس الطريقة وادخلت السعادة الى قلب العم احمد قنديل، رحمه الله، ومن بعدها طلب مني استعمال العقلية الشرقية وبعدها سافرنا الي برلين، وذهبنا الي مطعم كبير لتناول العشاء، ومشاهدة البرنامج الذي يقدمه ومن ضمن البرنامج ان يقدم اي شخص من الحاضرين اي أغنية او نكتة او رقصة او ما شابه ذلك على خشبة المسرح ، وله هدية، وطلب مني العم احمد، رحمه الله، ان اطلع الى المسرح بحكم إجادتي للغة الالمانية الا اني اعتذرت خجلا ، فذهب الى خشبة المسرح وغنى أغنية ياقمرنا يامليح وصفق له الحضور وقدم له مقدم البرنامج هدية، وقال لي: خللي الخجل ينفعك آه لو تعطيني لسانك لرأيت ماذا فعلت هذا ما أتذكره عن رحلة العم عمر عبد ربه مع أصدقائه الي المانيا، وكان العم عمر بعد هذه الرحلة كلما يراني كان يسألني هذا يصير او ما يصير. رحم الله، العم عمر عبدربه، وابن العم والخالة وزميل المرحلة الابتدائية في المدارس الفرنسية في القاهرة ورفيق دربي الدكتور عبدالرؤوف عبدربه، ورحم الله العمين احمد قنديل، ومحي الدين صواف واسكنهم فسيح جناته( انتهى كلام سيدي أنور)… ولأنني أعشق جلسة الكبار، كنت دايما اروح مقعد عّم عمر الذي كان مليئا بكبار شخصيات جدة، وطبعا ما أنسى شخصية عّم محي الدين صواف بجسمه الضخم وصوته الرخيم، حينما يتكلم فيعطى مهابة واحتراما ممن حوله. أما اذا سمعت ان الاستاذ جاي بعد شويه، فالكل يعرف ان القنديل قادم، فلقد كان أهل جدة لهم ألقاب تعرف من خلالها الشخصيات مثل الزعيم والاستاذ والوجيه وغيرهم…… رحم الله، تلك الشخصيات التي اثرت في المجتمع والتي أحب أن أحيي ذكراهم، ومع الأيام راح أتطرق لبعض الشخصيات، التي عشت جزءا من ذكرياتي معاهم، وكانت لي مواقف جميلة معاهم. والى لقاء قادم.. أترككم وانتم في صحة وسعادة دائمة، باإذن الله، عز وجل ….