كان حديث الأمس عن بعض جوانب استقبال خادم الحرمين الشريفين في روسيا وأوجزت قدر الامكان سرد مظاهر ذلك الاحتفاء الاستثنائي على اعتبار الزيارة كما وصفت زيارة دولة فتلك كانت المرة الأولى التي زار من خلالها ملك سعودي روسيا ولهذا وصفت بالزيارة التاريخية وهي كذلك بكل ما حملت تلك المفردة من معاني ودلالات لطبيعة الملفات المهمة المطروحة على مائدة القمة السعودية الروسية وما يشهده الإقليم من أحداث ومآلات وما يمثله الجانبين من ثقل استراتيجي في المنطقة والعالم حيث جسدت الزيارة لقاء الكبار بامتياز المملكة قلب العالمين العربي والإسلامي وقبلة المليار ونصف المليار مسلم أكبر مصدر للنفط ( عصب الحياة الحديثة) بالعالم وأحد القوى الاقتصادية الكبرى وروسيا الدولة العظمى عسكرياً والناهضة اقتصادياً الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي التي تسعى حثيثاً للعودة لتبوؤ مكانتها على خارطة الكون حتمية التلاقي السعودي الروسي جاء اللقاء السعودي الروسي في لحظة فارقة ساهمت في صناعة وترسيخ الأهمية والحتمية فبالنسبة للجانب السعودي انتهجت المملكة سياسة جديدة تعتمد المبادرة بدلاً عن رد الفعل أسلوباً لحماية أمنها الوطني والأمن القومي العربي ومواجهة قوى الشر إيران وأتباعها في المنطقة خاصة بعدما تعاظم خطر الملالي وصارت طهران مباشرة أو عبر ذيولها مصدر تهديد امني لتبنيها منهج الإرهاب ودعم الارهابيين كما أن المملكة تعمل على توسيع وتنويع علاقاتها الخارجية بالتزامن مع تنويع مصادر الدخل الوطني واحلال اقتصاد الاستثمارات محل اقتصاد "الريع" ، استعدادًا لحقبة ما بعد النفط وتوطين التصنيع في المجالات كافة وتدعيم وتعظيم القوة العسكرية في اطار نهضة شاملة ذات ابعاد تنموية واسعة حيث بدأت المملكة مع تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم ومع إدارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان لأهم الملفات الاستراتيجية للنهوض بالمستوى العام فيما يحقق رفاه الشعب وتدرك المملكة أهمية التنسيق مع روسيا في عديد من الملفات المهمة كضبط أسواق النفط ورفع الأسعار لمستويات مقبولة بعد تدنيها لأقل من النصف مما يعد ضرورياً لتحقيق التنمية المستدامة كما يحقق هذا التقارب بين البلدين إنجاز التسوية السياسية للأزمة السورية خاصة أن تدخل روسيا قلب موازين القوى في سوريا مع عدم تسليم موسكو بهيمنة طهران على البلد العربي الشقيق حيث تتزايد الحاجة للعلاقة في ظل السياسة الغامضة لبعض دول المنطقة فيما يتعلق بالتقارب مع قوى ومنظمات ارهابية كما توفر هذه العلاقة الدعم الدولي للتحالف العربي في حربه لنصرة الشرعية في اليمن والدفع نحو استقرار الأوضاع في العراق ومفاوضات التسوية للقضية الفلسطينية وللصراع في ليبيا وغيرها من مناطق النزاعات داخل اطار العالم العربي تحديدا انطلاقا من حرص المملكة لاستتباب الأمن والطمأنينة في منطقة تموج بالسخونة بفعل مؤامرات اضحت مكشوفة للعيان روسيا من جانبها تدرك أن السعودية كلمة السر في كثير من القضايا العالمية وهي الأكثر قدرة لوقف نزيف تدني أسعار النفط خاصة والذهب الأسود يمثل قرابة 80% من مجمل صادراتها وتولي روسيا أهمية قصوى لمحاربة الإرهاب وتعلم يقيناً أن أي حرب ضد التطرف لا تنضم إليها المملكة ستبوء بالخسران المبين وموسكو لديها مخاوف كبرى من الإرهاب بعد تجربتها في الشيشان وبعدما تسببت حرب أفغانستان بجانب أسباب أخرى في انهيار الاتحاد السوفيتي ولا تغفل موسكو أن الرياض بوابتها الشرعية للعالمين العربي والإسلامي والتفاهم معها ضروري في سوريا لتحقيق التسوية والحد من نفوذ إيران حيث تستخدم موسكوطهران في سوريا لكنها لا تقر ولا ترغب بتغولها كما تمثل المملكة صمام أمان وتوازن في العراق وفي كل نزاعات الإقليم ويدرك الكرملين أن المملكة لاعب رئيسي في اليمن بأبعاده الجيواستراتيجية المتعلقة بالبحر الأحمر والمضايق الدولية والثروات النفطية والجوار الأفريقي لذلك تتجنب اغضاب المملكة وتركز في هذا الملف على الدعوة للحل السياسي، في ظل عدم إبداء الحوثيين استعدادا للحوار وروسيا مدركة بألا غنى عن الدور السعودي في القضية الفلسطينية كون المملكة لا تؤمن بالشعارات الجوفاء بل تعمل بجدية لصنع سلام عادل دائم وروسيا تدرك ايضا قدرة السعودية لتحقيق التوازنات الإقليمية بل أن الروس يراهنون على التوجه اقتصاديا صوب السعودية والخليج والمنطقة العربية بالإضافة للصين والهند ودول آسيوية ولاتينية لخلق مجال حيوي بديل لاقتصادهم المكبل فيما يعزز الشراكة المستقبلية بين البلدين بما يدعم العلاقات السياسية والاقتصادية ويفتح آفاقاً واسعة للاستثمارات المتبادلة والتنمية المستدامة وتوطين التقنية ضمن برنامج الرؤية السعودية 2030 اتفاقات وتفاهمات ومشروعات بالفعل أظهرت المؤشرات الأولية للزيارة التاريخية اتفاق الجانبان على عدد من المشروعات المهمة من بينها تأكيد الدولتان على استمرار تعاونهما فيما يخص إعادة التوازن لأسعار النفط وكانت الرياضوموسكو قد اتفقتا سلفا على اتخاذ إجراءات مشتركة بهدف تحقيق استقرار سوق النفط حيث ساهم الاتفاق السعودي الروسي على صعود الأسعار لحدود 56 دولاراً للبرميل حالياً ومن المتوقع أن يرتب استمرار التفاهمات بين البلدين الأكبر إنتاجا مزيداً من الاستقرار في الأسواق النفطية بما يحقق ارتفاع الاسعار . سترتقي العلاقات بين البلدين بعد زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مستويات غير مسبوقة في التعاون والاستثمار المشترك في مجالات الطاقة وتجارة النفط وصناعة البتروكيماويات وستتم إعادة رسم خريطة صناعة الطاقة في العالم وتأمل روسيا في دور استثماري سعودي كبير لمساعدتها في النهوض وإخراج اقتصادها من حال الركود التي سيطرت عليه نتيجة تراجع أسعار النفط كما تأمل المملكة بتوطين الصناعات المتقدمة ومن بينها الصناعات العسكرية حيث هدفت الزيارة إلى صياغة مسار شراكة استراتيجية روسية سعودية يبتغي منها كف شرور إيران ومنعها من إغراق المنطقة في صراعات طائفية وعرقية لمحاولة السيطرة على دول مثل سوريا والبحرين والعراق واليمن ولبنان لم يقتصر التعاون الاقتصادي السعودي الروسي على القطاع الحكومي حيث عقد 200 رجل أعمال من البلدين "منتدى الاستثمار السعودي الروسي " أسفر عن الاتفاق على تنفيذ 25 مشروعا مشتركا في المجالات الاقتصادية والاستثمارية بتكلفة مبدئية تجاوزت "51 مليار دولار"، كما منحت الهيئة العامة السعودية للاستثمار 4 شركات روسية كبرى الترخيص للبدء في استثمارات حرة في المملكة كشركات أجنبية تتمتع بكافة التسهيلات الاستثمارية للقيام بعملها باستقرار وأمان وفق ضمانات حكومية.