لم تعد روسيا الاتحادية القائمة على انقاض الاتحاد السوفيتي روسيا المشاكسة كما كانت مطلع القرن الماضي، ولهذا لا يمكن تجاهل روسيا القطب العالمي الهام الممتد شمالا بين الشرق والغرب والمحتل لمساحة تتجاوز ثمن مساحة الكرة الأرضية إضافة لكونها أكبر الدول المنتجة للنفط مع احتفاظها بمقعدها الدائم في مجلس الأمن وامتلاكها في الوقت نفسه قاعدة صناعية واقتصادية فعالة عالميا ما يجعلها من الدول التقنية المؤثرة في العلاقات الدولية والاقتصاد العالمي والقطاع النفطي على وجه الخصوص. ولأن روسيا الاتحادية ذات ثقل عالمي مؤثر في مجريات الحياة شرقا وغربا ولأنها تعد في مصاف الدول سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتتربع على قائمة الدول الكبرى بل يجمعها بالمملكة شراكة زمالة في مجموعة العشرين، التفتت المملكة نحو الشمال في اطار تحرك سياسي جل اهدافه محصور بتوسيع قواعد التعاون خاصة ان العلاقات السعودية الروسية ذات جذور تاريخية راسخة ليس اولها السبق الروسي في الاعتراف بالمملكة العربية السعودية ابان التأسيس على يد المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز، وليس آخرها التوافق بمواقف دون اخرى رغم ما شاب تلك العلاقة من فتور لم يصل مرحلة القطيعة، ذلك ان المملكة تبني علاقاتها مع الدول وفقا للاحترام المتبادل وتترك الأبواب مواربة عندما يعتري العلاقة شيء من الوهن في نهج سياسي ثابت حكيم أدى لتعاون ملموس مستمر بمستويات مختلفة مع كافة دول العالم دون استثناء. لهذا كانت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الى موسكو بناء على دعوة من الرئيس بوتين جزءاً من منهج سياسي يولي جل الاهتمام مصلحة البلاد والعباد لأن المملكة حريصة على نجاح مساعيها السياسية وحريصة على نجاح الزيارة ولهذا فقد سبق هذه الزيارة الملكية الكريمة رحلات مكوكية لسمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الامير محمد بن سلمان الذي زار روسيا مرتين متتاليتين ممهدا لعهد جديد وتعاون مديد التقى خلالهما مع الرئيس الروسي وكبار مسئولي حكومته واضعا نصب عينيه مصلحة المملكة والأمة الاسلامية جمعاء حيث توجت زيارة خادم الحرمين الشريفين تلك التحركات السياسية المميزة لتثمر نتائج مبهرة ليس اولها الاتفاقات التي تمت على هامش الزيارة ولن يكون اخرها توطين الصناعات بما فيها الصناعات العسكرية على اعتبار روسيا دولة عظمى ذات باع طويل ناضج في مجال التقنية خاصة ان روسيا التي تحترم الكبار مستعدة لتكييف سياستها مع تطلعات الشركاء ولهذا حظيت زيارة خادم الحرمين الشريفين لموسكو باهتمام عالمي بالغ واستقبل استقبالا استثنائيا بعد ان علت صور الملك سلمان الابراج الشاهقة ورفرف العلم السعودي في كافة ارجاء موسكو وطرقاتها وصدحت موسيقى السلام الملكي السعودي في ميادين موسكو وقاعات فنادقها وانبرت وسائل الاعلام الروسية لتحليل ابعاد ومنافع تلك الزيارة على السلم العالمي حيث أرست تلك الزيارة الكريمة الأطر القانونية المعززة للشراكة المستقبلية بما يدعم العلاقات السياسية ويقرب المواقف لما فيه خدمة مصالح المملكة وأمن واستقرار المنطقة وخلق توازن دولي بعد أن اضحى الشرق والغرب في متناول السياسة السعودية. ولأن اهداف سياسة المملكة استمرارية العمل على تحقيق التنمية المستدامة جاءت الزيارة الملكية لتضع التقنية في متناول الأيدي الوطنية عبر الحرص الملموس لتوطين الصناعات وفقا لنهج رؤية 2030 حيث ربطت المملكة مشاريعها التعاونية مع كافة دول العالم المتقدم بشرط التوطين المؤدي حتما لتطور مأمول يوفر فرصا وظيفية هائلة للمواطنين والمواطنات. في موسكو بددت سخونة حدث الزيارة الملكية برودة الأجواء الصفرية فضجت قاعات كبريات الفنادق بفعاليات واجتماعات ومشاورات واعتمادات بين الجانبين على كافة الأصعدة مدعومة بالأسبوع الثقافي السعودي الذي لفت أعناق الروس لثقافة عريقة وحضارة مشرقة تقودها المملكة في إطار نهضة شاملة متوجة برؤية شبابية حديثة تواكب العصر وتتلاءم مع النهج القويم وكانت الدهشة المرسومة على وجوه المواطنين الروس في طليعة ما لفت الأنظار في حفل اشبه بحفل تعارف كبير هناك امطرني مواطن روسي بأسئلة تمحورت حول ثقافة شعب المملكة آملا استمرار فعاليات الاسبوع الثقافي السعودي قبل ان يقطع حديثنا السلام الملكي في محفل مهيب جسد حرص المملكة على التعاون والاستفادة من مكتسبات الشعوب. في موسكو لا تشيخ المباني كما تفعل في كثير من مدن العالم بل ظل التاريخ ماثلا للعيان على هيئة صروح سكنية ودوائر حكومية شامخة عصية على الهرم بفعل الصيانة والعناية فأينما تلتفت تصافح التاريخ في الساحة الحمراء على وجه الخصوص. في موسكو اعتمد معالي وزير الإعلام الدكتور عواد العواد افتتاح المكتب الإعلامي في خطوة ثمينة ذات مغزى هام وهناك التقيت وزراء يتقدون حماسا لتحقيق نتائج مبهرة من خلال زيارة ناجحة بكل المقاييس وتحت زخات المطر الكل متفائل حد البهجة فتلك وجهة من وجهات الاهتمام في إطار النهوض بمستوى العلاقات الدولية. في موسكو كرمت جامعة موسكو ضيف روسيا الكبير ومنحت خادم الحرمين الشريفين الدكتوراه الفخرية فضجت القاعة بالتصفيق قبل ان يقطعه تعليق الملك المفدى " الآن انا الدكتور سلمان" لتأتي الردود من كل حدب وصوب " انت اعظم من هذا ".