تملكتني الدهشة وأنا أقف أمام مبنى خرساني غير مكتمل لمشروع مركز طب الأسنان بالباحة ! ووجه الدهشة في هذا المبنى الحزين الذي دخل في العقد الثاني منذ اعتماده وهو بهذا الوضع المؤسف . فقد أصبح تنعق فيه الغربان بعد أن تخلى عنه المقاول بلا مبرر ودون أن يصنف وأمثاله في القائمة السوداء ويحرمون من استلام مشاريع أخرى ، وبعد أن أهملته وزارة الصحة تماما دون معرفة الأسباب المنطقية ليصبح نسيا منسيا بل شاهدا قطعيا على التهاون ونقص الإحساس بالمسؤولية وعدم الاهتمام بتحقيق سياسة الدولة التي تركز على الإنسان وتضع الصحة في مقدمة الأولويات . لكن تبرز هنا أسئلة تتقافز كالخناجر الحادة أين أنت يا وزارة الصحة ، وما سر هذا الغياب الطويل ؟ وهل تحسّون فعلا بمعاناة المرضى وهل تؤدّون دوركم كما يجب ؟ وهل تقومون بواجبكم تجاه المرضى على النحو الصحيح ؟ وهل أنتم حريصون على خدمة الناس كما تخطط له الدولة التي ضخت وتضخ المبالغ الضخمة وتعتمد الميزانيات الهائلة من أجل مصلحة المواطنين ؟ لكن تعثر هذا المشروع وأمثاله يعطي الدلالة على أن الأمور غير جيدة وبحاجة عاجلة إلى طبيب حاذق يعالجها !! فقد تعاقب عدة وزراء للصحة في المملكة كما تعاقب عدة مديري عموم بالمنطقة والوضع كما هو.. فهذا المبنى الكئيب يندب حظه كغيره من المشاريع المتعثرة والمتأخرة دون إحساس المعنيين بالمسؤولية الوطنية ، وإلا فما سر هذا البقاء الطويل ؟. فهل تخاذل المقاول المنفِّذ مبرر لتعطيل مصالح المجتمع وأين طرق وأساليب المعالجة السريعة والحاسمة ؟ ومن يتحمل النتائج والخسائر ؟ وإذا كانت الأمور تقاس بالجانب المادي فهل تم حساب ما دفع من مبالغ للإيجارات طوال هذه المدة وأنها تعتبر زيادة في تكاليف المشروع وهل حُسِبت تلك السنين المهدرة وأنها محسومة من العمر الافتراضي للمبنى ؟ كنا نتوقع أنه خلال الثلاثة عشر عاما التي هي عمر المشروع المتعطل ، بأن المركز قام بالكثير من إجراءات طب الأسنان لمعالجة التسوس والتنظيف والتلبيس والخلع والتقويم …. لكن الواقع المؤلم أثبت أن التسوس قد يكون داخل بعض أجهزة الوزارة ، وهو بحاجة فعلية إلى حفر لاستخراجه والقيام بعمل التلبيس للحماية وحتى لا يعود وتنظيف الوزارة من عناصر الإهمال وخلع أهل المصالح الخاصة، فمصلحة الوطن مقدمة على ما سواها .. وخدمة المواطن واجب لا يقبل الانتظار إطلاقا . والتقويم يظل أمر مطلوب وفِي كل الأحوال . وطالما أن الحديث عن الصحة فإننا لا نحمل مدير عام الشؤون الصحية الدكتور عبده الزبيدي الذي عين مؤخرا مسؤولية من قبله وهو الجاد بدعم سمو الأمير حسام بن سعود أمير منطقة الباحة لإصلاح الوضع القائم ،فهو يستحِثّ الخطى لمعالجة ما تأخر عنه من سبقه . ومع ذلك يستحق الشكر على جهوده الطيبة لاستقطاب كادر طبي على مستوى عالٍ من الخبرة متخصص في أمراض القلب والذي أجرى قبل يومين عمليات القلب بالمنطقة ولأول مرة في تاريخ المستشفى وبنجاح كبير ولله الحمد ، وذلك بعد أن حرص على تجهيز مركز القلب بالبرج الطبي بمستشفى الملك فهد بالباحة ، ونأمل أن يتبعه عناية خاصة واهتمام مضاعف لفتح قسم لجراحة المخ والأعصاب بالمستشفى لتخفيف معاناة المواطنين الذين كان يتم نقلهم في أسوأ الظروف إلى مستشفيات أخرى خارج المنطقة . فعامل الوقت هام جدا جدا والمنطقة بحاجة ماسة لذلك.