الحاضر الأبرز في كل أجواء العيد هذه الأيام هو الجوال فقط ، يترصد كل تفاصيلنا مع العيد بالصوت والصورة ، ربما يتناسب مع أطفالنا اليوم ، لكن جيلي وجيل من سبقني لا أظنهم سعداء بذلك ، حتى وأن كنا نتشارك مع أطفالنا تلك اللحظات المصورة بالابتسامة المصطنعة إلا أننا لا زلنا نشعر أنهم ( أي أطفالنا ) لا يستمتعون جيداً بالعيد ، لا أدري ما السبب ؟ لكن لدي شعور أن جيلي بالفعل هو آخر جيل ذاق حلاوة العيد الحقيقي بدون رتوش أو تقنيات أو إضافات ، تلكم الأعياد الماضية التي احتضنت طفولتنا من دون تكلف أو ترصد من أي كاميرا أو جهاز ، يوم كانت مشاعرنا عفوية بامتياز رغم عزلة قرانا عن العالم ، حتى مفهوم العالم كان بالنسبة لنا هو محيط القرية فقط ، وما سواها كان خواء لا وجود لها. حينما كانت تخيم علينا فضاءات العيد ببهجته تتضاءل في أعيننا كل المباهج الأخرى ، كل شغفنا منصب على هذه اللحظة التي كنا نترصدها من منتصف شهر رمضان تقريباً ، فحينما يقول الأب يا ولدي هذه الشماغ الجديد اشتريتها لك من أجل العيد ؛ فإذن هي للعيد فقط وليست لأي شيء سواه ، وحينما يذهب بنا لتفصيل الثياب تظل قلوبنا معلقة بالساعة التي سنتسلم فيها تلك الثياب ، رغم علمنا أننا لن نلبسها إلا صبيحة يوم العيد ، لكنه الشغف الطفولي حينما يملأ القلب تصبح لحظات الانتظار ألسنة من لهب ماتع تزداد لسعاتها مع تناقص الزمن نحو ساعة الصفر،وحين يعلنها التلفزيون تنقلب القرية فجأة لمدينة ضخمة للفرح لا حدود لها. اليوم حضرت الكاميرا في أعيادنا ، لكنها أحرمتنا أو بالأحرى أحرمت أطفالنا ما لا يمكن لعدسة الجوال اقتناصه ، رائحة العيد. الألق الذي كان يشع من كل الأمكنة .. السعادة التي كانت بيوتنا الشعبية الضيقة تعبق به .. لهفة العيد وعفويته .. لذة الحلوى رغم محدودية تنوعها وتكرارها في كل بيت .. الدوران في القرية والزيارات المتبادلة رغم بساطة ما يقدم في موائد تلك البيوت .. وجوه الأرامل وضحكات المسنين .. وحميمية العجائز اللائي يستقبلننا حينما كنا نتسابق على أبوابهن للظفر بأي قطعة حلوى جديدة .. تباهي الأطفال بحصيلتهم من حلوى العيد ، أشياء وأشياء أجد صعوبة في التعبير عنها ووصفها رغم شعوري الآن بها ، أظن بأن عيد السنابات والانستجرام الذي ابتلع الناس هذه الأيام أصابتني بنستالوجيا حادة للماضي الجميل نسأل الله السلامة ، ادعوا لي بعظيم الصبر وكل عيد وأنتم بخير . [email protected]