حين الالتقاء بالآخرين والتحدث إليهم والتعامل معهم ، فإن أول ما يلفت نظرك هو مدى الثقافة التي يتمتعون بها ومدى ما يتميزون به من علم ومعرفة عن باقي شعوب العالم ، بالإضافة إلى مقدار ما قدموه للإنسانية من منجزات وما حققوه من مبتكرات تفيد في تطور الإنسان وازدهار البلدان ، وعلى هذا يقاس الأداء ويفرض الاحترام والتقدير ، قال الله سبحانه وتعالى: "وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون". أما الترفيه وهو تغذية للروح يطلبه الإنسان الذي كدّ واجتهد وقدم كل ما يفيد ويمكث في الأرض وصار من حقه أن ينال قسطا من الراحة تنفض عنه غبار التعب وتعيد له هدوء النفس وراحة البال التي تنشط الجسد وتنعش النفس تمشياً بنصيحة رسولنا الكريم : " روحوا عن انفسكم ساعة بعد ساعة فان القلوب اذا كلّت عميت." الثقافة والترفيه هما حاجة الإنسان العليا ، وكما يقال وجهان لعملة واحدة ، ولا يمكننا فصل الثقافة عن الترفيه والعكس صحيح ، فالمجتمع عندما يرتقي وتتكون لديه ثقافة عالية وعادات أصيلة وسلوك قويم يفخر به أمام العالم ، يستحق المتعة والترفيه الذي ينشده ويتوق إليه. وانطلاقاً من برنامج التحول الوطني للمملكة ، جاءت القرارات الملكية الأخيرة لتمهد الطريق أمام تحقيق رؤية المملكة 2030 . وإن قرار استحداث هيئة عامة للثقافة وأخرى للترفيه هو خطوة في الطريق الصحيح ، ولا شك سيسهم في تطوير المجتمع والنهوض به والرفع من مكانته بين الأمم ، وعلى كاهل تلك الهيئات ستقع المسؤولية الأكبر في إحداث النقلة النوعية في المشهد العام للمملكة وإبراز وجهها الحضاري ، وإليها ستوكل مهمة بناء المزيد من المراكز الثقافية التي ستكون إضافة حقيقية لنشر الثقافة والعلوم وجلب السعادة وتعميم الفائدة لكافة شرائح المجتمع .هذه المراكز ستصبح منارة مشعة في كافة أحياء المدينة الواحدة ، لها برامج شهرية متنوعة ، يقام فيها جميع الأنشطة الثقافية من حملات توعوية ودورات تثقيفية تنمي مهارات المواهب الشابة في كافة أشكال الثقافة والفنون ، وتُحيا فيها الحفلات الموسيقية الهادفة وتُمثل على خشبتها المسرحيات العالمية ، ويقدم في قاعاتها الندوات والمحاضرات الثرية ، وتعرض على شاشاتها أقوى الأفلام السينمائية ، وفي صالاتها تقام معارض للكتب والرسم والنحت والتصوير ، وفي مكتبتها تمارس هواية القراءة والمطالعة. هذه المراكز ستكون البيت الثاني لكل شاب وشابة والملاذ الآمن الذي يملأون فيه أوقات فراغهم ويرفهون عن أنفسهم ويحصنون عقولهم من الأفكار الضالة ، ويبتعدون عن شبح المخدرات وأذى التفحيط في المركبات والتسكع في الشوارع والطرقات . بل سيرتقون إلى مستوى الكفاءات الوطنية التي تنفذ أدوارها بمهنية عالية وتنمية مستدامة . كما أن هذه المراكز ستستقطب أيضاً النخب الثقافية من مفكرين وأدباء وكتاب وشعراء ليلتقوا بهؤلاء الشباب ويتحاورون معهم فتتلاقح أفكارهم وتقوى الروابط فيما بينهم ، فتزال عندئذ الفوارق والصراعات بين الأجيال ، وبالتالي تتناغم الجهود بسيمفونية واحدة تتلاشى فيها كافة المعوقات التي كبلت الناس لفترة طويلة من الزمن ، وتزداد القدرة على الإنتاج ويزدان المشهد جمالاً على جمال. ندعو لهيئة الثقافة وهيئة الترفيه بالنجاح والتوفيق وأن يسدد الله خطاهم ويعينهم على مواجهة التحديات وتذليل الصعاب ، وأن يكون لهم السبق في بناء الوجه المشرق للمملكة. Twitter:@bahirahalabi