شيرين الزيني في تلك الليلة بدا عليه الشرود،وعدم التركيز على غير العادة.وعبثا حاول أبوه أن يعرف السبب ، لكنه كان يجيبه بابتسامة باهتة،وهو يحاول أن يتهرب من التقاء العيون.فأبوه كان أكثر من صديق،والبيت الخالي من رائحة الأنوثة ،إلا من ذكريات الوالدة الراحلة،قربهما أكثر،وجعلهما يعيشان حميمية نادرة. نظر إليه أبوه نظرة سكب فيها كل ما يعتلج في صدره من حب،وحنان،ثم قام متثاقلا ليطبع على جبينه قبلة لم يتخل عنها منذ كان صغيرا،وتمتم قائلا: -تصبح على خير يا كبدي.الله ينور طريقك،ويسهلك في كل ما هو صعب. لقد أدرك الوالد بخبرته،وطول ملازمته لإبنه،أن شيئا ما بدأ يتغير في داخله. سار بعض الخطوات،ثم توقف،والتفت ليردف وهو يبتسم: -المهم إذا اخترت اختر الصح ياابني ! انتفض شريف في مكانه،وهو ينظر إلى أبيه يتجه إلى غرفته. -يا الله، ألهذا الحد أصبح يحس به؟ ألهذا الحد صار ممكنا أن يقرأ أفكاره،ويعرف أحاسيسه؟ إنه الأب حين يستعمل قنوات الحب التي لا يحسن استعمالها غيره.خاصة بعد رحيل الأم واعتنائه بفلذة كبده،فإنه يصبح يرى ببصيرته،ما لا يراه ببصره. دون شعور منه،مد يده وطلب صديقه عمر،لكنه سرعان ما قطع الخط،خوفا من أن يكون قد أزعجه.غير أنه ماكاد يضع هاتفه حتى رن.إنه عمر. -ألو…أنا آسف يا عمر،ضغطت على رقمك خطأ. -ومالك مرتبك كده يا صاحبي؟أكيد كنت عايز تقول حاجة وتراجعت. -لا…لا…فقط أردت أن أسألك إن كنت ستذهب للنادي غدا؟ وهل…وهل ستكون وفاء موجودة؟ -مالك يا شريف ههههه؟من أولها؟أنت وقعت والا إيه يا جامد ؟آه بكرة إن شاء الله عيد ميلاد أختي وداد،ووفاء هتحضر،وأنا نسيت أقولك حتى تحضر أنت كمان. لم بصدق ما سمع،وكاد يطير فرحا،وهو يشكر عمر،ويغلق الخط حتى دون أن يودعه. لم ينم ليلتها تقريبا.ومر عليه اليوم الموالي كأنه سنة ليجد نفسه يدخل النادي مع المساء،وهو يحمل هدية وداد،وقد تأنق كما لم يتأنق في حياته من قبل. كانت هناك، تجلس ملتصقة بوداد،وقد ارتدت فستانا أحمر،زادها جمالا وبهاء.تسمرت عيناه عليها،وهو لا يقوى على مد خطوة واحدة.حينها رآه عمر،وراح يلوح له بيده،ويناديه.رفعت رأسها ونظرت إليه مبتسمة.أحس الأرض تدور به،وهو يحاول ابتلاع ريقه وقد جف حلقه. ( كيف لا يشغل فكري طلعة كالبدر يسري رقة كالماء يجري فتنة في الحب تغري تترك الخالي شجيا ) يتبع..