شيرين الزيني مرت الأيام عصيبة على مريم.لم تعد تدري أية وجهة توليها وجهها،حتى أنها انقطعت عن الشركة لأيام.بل إنها كانت حينما تضطرها الحاجة إلى الخروج من البيت،تسير في الطريق بسرعة،وبإحساس من يرشقه الناس بالنظرات،كأنما عرف الجميع بقصتها.الحقيقة لا أحد من الجيران،أو المارة يعرف سرها.لكنه إحساس ولدته المفاجأة التي لم تحسب لها أي حساب.لم تكن تطيل البقاء في الشارع أكثر مما يتطلبه قضاء حاجياتها الأساسية. كان عماد يتصل بها بين الفينة،والأخرى.لكن صوته لم يعد مقنعا كما كان،والارتباك في طريقة كلامه أصبح سيد الموقف.بل إنها حينما تسأله عن الطريقة التي سيتصرف بها لمواجهة الواقع الجديد المفروض عليهما،تحسه يتهرب من الإجابة،ويحاول أخذها إلى جوانب أخرى من الحديث الذي تطغى عليه التسويفات،وكأنه يجثو على ركبتيه،ورأسه بين يدي السياف. ولأن الحياة كان لا بد لها أن تستمر،فقد جمعت شجاعتها ذات صباح واتجهت صوب الشركة.لكن ما أدهشها وهي تدخل أول رواق،هو الترحاب الذي لقيته من الأغلبية،فقد استقبلوها بالابتسامات،ولسان حالهم يقول:نحن متضامنون معك يا مريم.أنت لم ترتكبي جرما.لقد تزوجت كما تتزوج النساء على سنة الله ورسوله.لكنه لم يقدرك حق قدرك.وعاش معك على أكذوبة إعلان زواجكما. ارتاحت بعض الشيء لما لقيته من زملاء العمل،وبادلتهم بعض الأحاديث عن الغياب،والشغل،وأشياء أخرى،قبل أن تختلي بنفسها في مكتبها. وهي تقلب في أوراقها دخل عليها سليم،الصديق المشترك،والمقرب من عماد. سلم،ثم دون مقدمات أخبرها أن الجميع متضامنون معها،ويقفون إلى جانبها،ويشدون على يدها.قبل أن يفاجئها بخبر طلاقها الغيابي من عماد ! أحست بالأرض تتحرك تحت قدميها،والسماء تسقط على رأسها،وهي تتلقى الخبر. لم تصدق ما سمعت.ألهذا الحد يتقن الكذب،وتزييف العواطف؟فقبل أن تعود إلى الشركة بدقائق،كان يحدثها في الهاتف،وأخبرته بما ستفعله،فأظهر لها سعادته برجوعها لأنه لم يعد يطيق بعدها وعدم رؤيتها! فكم دعاها إلى الصبر حتى يعلن زواجهما،وصبرت.وكم داست على الأشواك في طريق عودتها إلى بيتها لوحدها،بينما يودعها هو ليعود إلى زوجته،وأبنائه.يا الله،ألم يعد للتضحية من ثمن؟ ما أن غادر الصديق مكتبها،حتى مدت يدها إلى الهاتف مشكلة الرقم الذي صارت أناملها تحفظه. -ألوووو عماد.مساء النور. -مساء السعادة حبيبتي.سعدت كثيرا وأنا أراك تدخلين الشركة. -وأنا اشتقت لك يا عماد.وأتمنى أن نقضي عطلة نهاية الأسبوع معا. -والله كنت سأقترح نفس الاقتراح، لكنني خفت ألا توافقي. -لن أوافق؟أنت من يقول هذا يا عماد؟ ثم همست وهي تقطع الخط :(ماشي يا عماد،صرت تكذب كما تتنفس) أفاقت من دوامة أفكارها على أصوات صبية،يلعبون الكرة على الشاطئ.وقفت متثاقلة،ومشت نحوه،قبل أن تنزع من يده الهاتف،وتلقيه أمام قدميه،وهي ترمقه بنظرة جعلته لا يقوى على قول كلمة واحدة. بعدها اتجهت إلى الغرفة التي حجزاها في الفندق الذي شهد زواجهما. لحق بها ليستفسر عن سر تصرفها،وهو يظهر الحيرة ،والبراءة معا.لكنها فاجأته بكل ما تعرف.وكيف أنه أظهر ضعفه أمام زوجته،وأهلها،ولم يحاول حتى الدفاع عنها.بل انه رضخ لهم بسهولة،وطلقها غيابيا،وواصل التمثيل عليها. كانت تتكلم بعصبية شديدة،فهي التي أعطته كل شيء،ولم تجد منه إلا الجحود،والنكران.كانت تتمنى أن يقف إلى جانبها،ويسندها.لكنه خذلها أيما خذلان. عندما رأت جسده يرتعد،ودموعه تنهمر،فتحت له الباب وهي تقول: -أنت من كتب آخر فصل في القصة يا عماد.عد إلي زوجتك التي طالما أخبرتني أنك لا تشعر نحوها بالحب،بل بالاحترام فقط.عد يا عماد فقد انتصر الاحترام على الحب.أعرف أنك تحبني.لذلك سأتركك تتعذب ما بقي من أيامك بهذا الحب الذي تخليت عنه.وسيكون هذا انتقامي من خذلانك لي. ارحل من حياتي يا عماد.ودعني أبحث عن السلام مع نفسي. ما أن غادر عماد الغرفة،وهو لا يستطيع الالتفات حوله،حتى أغلقت الباب خلفه،وأجهشت بالبكاء . تمنت لحظتها لو أن الزمن يعود إلى الوراء،لتصحح مسار الكثير من الأحداث.أو لو أنه توقف ذات 23 مارس،يوم اعترف لها بحبه،فانساقت وراء عواطفها دون التفكير في ما يمكن أن يخبئه لها القدر. بعد سنوات عديدة من الفراق،مازالت إلى حد اليوم تهرب من الدنيا بأسرها لتنغلق على نفسها كلما حل هذا التاريخ،وهي تتمنى لو كانت تمتلك القدرة على حذفه من التقويم ( غدرك بيّ .. أثّر فىّ و اتغيّرت شوية شوية .. اتغيّرت و مش بإيدية و بديت أطوي حنيني إليك .. و أكره ضعفي و صبري عليك و اخترت أبعد و عرفت أعند .. حتى الهجر قدرت عليه و انت يا عيني .. لو فى مكاني يا عيني كنت حتعمل غير كده إيه إسأل روحك )