دأب الادباء من عرب وسواهم على كتابة ادبهم في وسائل الاعلا من مذياع وتلفاز وصحافة وبالذات في عصرنا الحديث الذي شهد ويشهد ثورة المعلومات وتحديث الاداب والفنون عبر الانترنت تقنية وحاسوباً وحداثة وعولمة. على ان جيل الرواد في الوطن العربي الكبير قد استحسن كتابة الرباعيات الشعرية، والقصائد المطولة الى حد ما عببر صفحات الصحف اليومية والاسبوعية والدورية بصفة عامة، ورأوا ان هذه الوسيلة اسرع وافضل واحسن الوسائل الاخرى لنشر شعرهم بما في ذلك الرباعيات..! وكنا نجد عبر صحفنا احمد قنديل ومحمد حسن فقي ومحمد سعيد العامودي ومحمد علي مغربي يكتبون ذلك الشعر في اخر صفحة في صحافتنا ك"المدينة" و"عكاظ" و"الندوة" و"البلاد" و"الجزيرة" كبركة ادبية وفضل معرفي للاجيال المتلطعة الى ادب رفيع وشعر قصيد وثقافة عامة. وقد خلف جيل الرواد نفر من شعراء اليوم الذين ينحون منحاهم في قول الشعر وطرح قصائده من رباعيات وخماسيات عبر ادبيات شعرية في غاية الروعة والبيان, وبلاغة القول الشعري والقصيد. ومن هؤلاء الاستاذ محمد احمد مشاط الشاعر الاصيل في المملكة العربية السعودية الذي يعد من بقية السلف من الرواد السابقين وفي الحجاز بصفة خاصة. وذلك مانه ملتزم في مساره الشعري والقصيدي على عمود الشعر العربي الذي عرفناه عبر عصور الشعر بعيد عصر التدوين الكتابي، لتراثنا الثري العلمي، وهذا الشأن غير محصور على بيئة دون اخرى كما هو معروف وانما الشء يذكر بالشيء! فقد اخرج الحجاز شعراء وادباء كثر وعديد جم هم الذين صاغوا ادبه وشعره وثقافته لذا فان الشاعر المشاط قد وفى في مساره الادبي ذلك الطريق الذي مشاه عليه الرواد لا في خماسياته التي تطالعنا عبر الاربعاء في المدينة وانما شمل ذلك اعماله كافة اذا استثنينا الحجازيات التي ذبجها شاعرنا باللهجة المحلية الدارجة الحجازية او الادب الشعبي، وقد اعترض المشاط في هذا الصدد على الاستاذ الرائد عبدالله بن محمد بن خميس في كتابه "الادب الشعبي في جزيرة العرب" حول ما ادرجه الشيخ بن خميس وموقفه من هذا الضرب من الشعر الحجازي ولكل رأي، واذا تطلعنا على شعر المشاط في هذا الانتاج تأصيلا لقول الشعر الصحيح وتجاوباً مع البيئة الحجازية التي اخرجت شعراء كعمر ابن ابي ربيعة وجميل بثينة وكثير عزة والشاعر الطائفي العرجي. هؤلاء الشعراء الغزليون الولعون بالجال وحب الغزل، ووصف الطبيعة والنسيب والتشبيب، بالمعاني الاصيلة والطبع الجديد والمتوارث كابراً عن كابر وخلفاً عن سلف. كحمزة شحاته وطاهر زمخشري وحسين سرحان ومحمد حسن فقي، المعاصرين الشعراء التوابع، والادباء الفصحاء الاجلاء اصحاب الروعة في ما يقولون من شعر وما يطرحونه من فن القول شعراً غزلياً ندياً ونقياً وجلياً وبخماسياته (ايقاع خماسي) يعود الشاعر المشاط الى دنيا الشعر الاصيل جاهداً ان يعطي متلقيه من فوح زمزم وجرعات من الرزقاء في ربوع الحجاز وبطحاء مكة ورياض المدينة تلك الربوع الغناء ذات الآلئ المذهبة وما يروق له من شعر غني بالصور وملئ بالدرر هي الوصف والتغني بالحب والرحيل الى الديار.. ديار المحبين، ثم الحوار والفن الغنائي والذكريات والحديث ذو شجون في هذا المجال الشعري الواسع الشاسع والسير مع الركبان والضعن وتذكر الحبيب والشوق اليه حين المعاد ليتجرع الشاعر غصص المر والملال. ونأتي الآن الى شيء او اكثر من روائع خماسيات شاعرنا محمد احمد مشاط حيث يقول: كانَ يَبْكي ، وكيفَ يضْحَكُ باكِ بعدَ طُول النَّوَى ، وجَوْرِ التَّشاكي مَرَّ كالحُلْم حُبُّهُ ، وتَلاشَى في ثَنايا الأيّام لَمَّا سَلاكِ لاحَ في مَرْفَأِ الغَرام عَطُوفًا بَيْدَ في حارقِ الفِراق رَماكِ وَيْلَهُ عاشقًا أحَبَّ بِعُنْفٍ ثُمَّ وَيْلاً إذْ عِشْقُهُ أضْناكِ يا فَتاتي .. وكمْ تَطيرُ الأماني نَحْوَ حُلْمٍ مُشَتَّتِ الأفلاكِ جريدة المدينة 12/ 3/ 1437ه إنها خماسية شعرية غاية في الابداع والرونق الملون بروائع القول والبوح بالحب والشوق وابداعها في التصوير والتألق البديعين. ثم يقول الشاعر المشاط في مقطع خماسي آخر: لاح فجر فأنجلى الف حجاب وانطوى من لاعج الذكرى كاب ربما نخدع بالوهم ولا نبصر الحق فيشفينا إرتياب يارفيقاً بالضنى ارقني في دروب سادها ستر الضباب هل مع الذكرى نغني أم ترى نسكب الدمع ونستجدي الغياب أنت مثل الأسس مازالت هنا وأنا كالأمس محظور الإياب جريدة المدينة 26/ 3/ 1437ه وعلى قصر هذه الابيات الا ان شاعرها يبدو ظاهراً بالشاعرية متسلحاً بادواتها الفنية وصورها البديعة ومكوناتها الجمالية في فن القول الادبي الشعري والفني متعلقاً رموزه البهية وكأنه يرنو نحو نجوم السماء صباح مساء كي يرى احبته في عز النهار وغلس الليل. الشيء المطرب، والامر المحبب للشاعر الذي يقدم شعره كحديث للاربعاء بالمدينة الممتع لها من خلال هذا الايقاع الخماسي! او الخماسية الشعرية لقرائها العطاشى فيسقيهم شاعرنا من زرقائها النمير وسقياها العليل بمعنى العذوبة والري: والهناء والرواء بحيث يستوي من خلاله عبق الشعر وطعم فنيته المميزة عن سواه من الشعر السائب كما يقول عباس محمد العقاد عن الشعر الحر.