إن الحديث عن رواد الأدب الحجازي يسحبنا إلى الحديث عن ثقافتهم، إذ إنهم موهوبون بهذه الثقافة ولا تزيدهم إلا أدباً على أدب وفكراً على فكر وثقافةً على ثقافة، الأمر الذي نقف أمام الرواد وقفة نستقرئ هذه العناصر التي تشكل ثقافتهم وأدبهم وأفكارهم وإنتاجهم الذهني ومؤلفاتهم الكتابية. لأن الأدب ذو نتاج غني بالآراء والمعلومات والمشاعر التي تصور الثقافة والفكرة والرأي، فلا بد له من تعبئة بموروث العلم وميسور الأدب وجميل الذكريات التي تلي الأعمال الأدبية والأعمال الثقافية سواء بسواء، فالعمل الأدبي نتيجة لقراءة في الوجود الحياتي الذي يقرأ من خلالها النقاط على الحروف فينتج لنا الأديب، شاعراً كان أم ناثراً عمله الفني من خلال معلوماته إضافة إلى ثقافته، وهذا هو الصراط السوي أو الهدف الرئيسي نحو الفكرة أو المعلومة أو الثقافة التي يجعلها الأديب المثقف نصب عينيه، ويحتاج لها أو يعد لها إمدادات علمية وأدبية جمة. إن رواد الأدب في الحجاز فقد راموا هذه الأهداف الثقافية من خلال آدابهم وعلومهم وفنونهم، فمحمد حسن عواد نراه كذلك في كتابه " خواطر مصرحة " الذي طرح فيه فكرة الحرية الذهنية والديمقراطية الأدبية والسلوك الاجتماعي، بعكس أحمد محمد جمال المنادي من خلال ثقافته وأدبه نحو صون المرأة بالتعليم والتطبيب وتربية الأسرة، وليس العواد وجمال هنا أمام مناظرة أو معاكسة بقدر ما هما طرحا أدبهما وثقافتهما أمام الفكر الاجتماعي والإنساني في بلادنا. د.غازي القصيبي وقس على ذلك من روادنا الشعراء كحمزة شحاته وطاهر الزمخشري وغازي القصيبي وغيرهم الذين أنتجوا شعراً حرياً بالنقد الاجتماعي لا بالنقد الأدبي وحده. إنها الظاهرة الثقافية التي تنداح على الإنتاج الأدبي لدى هؤلاء من الرواد في الحجاز وفي نجد التي يقول فيها القصيبي: "إن الهوى نجد". فهذه ثقافة أدبية فنية بأسلوب لغوي رصين وبيان أدبي مبين يخلب الألباب ويمنح لصاحبه الإعجاب. محمد حسن عواد وعندما نرجع إلى تراث هؤلاء الرواد نجد أنهم قد درسوا كتب التراث الأدبي عند العرب أمثال الجاحظ في "البيان والتبيين" و"الحيوان" و"البخلاء" وابن قتيبة في "أدب الكاتب" و"الإمامة والسياسة" والمبرد في "الكامل في الأدب واللغة" وأبي علي القالي في كتاب "الأمالي" عدا الدواوين الشعرية التي تشكل تراثاً أدبياً مثل المعلقات والمذهبات وشعر القبائل وشعر النقائض والحماسة كل ذلك اطلع عليه الرواد ليشكل أمام أدبهم مراجع ومصادر بالرجوع إليها متى لزم الأمر أو متى ما راق للواحد منهم أن يستشهد منها بشيء من الشعر، ولا ينبغي أن يقال إن ثقافة الأدباء محصورة في أبواب شعرية أو خطب نثرية فحسب، بل ينبغي أن تشمل ثقافة الأديب العلوم والآداب والفنون، فقد روي عن الأصمعي أنه كان في البادية فقابله أعرابي سائلاً ما حرفتك ؟ فأجابه: (الأدب. فقال الأعرابي: نعم الشيء هو، فعليك به، فإنه يجعل المملوك في حد الملوك). فانظر إلى هذه الثقافة وهذا الأدب الذي يوصل الشاعر إلى البلاط إنشاداً وخطاباً وقائلاً. حمزة شحاتة وبمرور الزمن تقلبت ثقافة الأدباء ورأينا كيف جاءت أشعار المناسبات وإن لم نكن نرى في ذلك أي غضاضة، لأن الشعراء تحفزهم المناسبة فيقولون فيها وينشدون والغالب على مثل هذا الشعر أن يكون جيداً، باستثناءات قليلة. كما أن الجديد في ثقافة روادنا الحجازيين متابعاتهم لا للكتب فحسب بل للمجلات الأدبية والثقافية التي كانت تأتي من خارج البلاد، أمثال مجلة "الرسالة" لأحمد حسن الزيات ومجلة "الثقافة" لأحمد أمين ومجلة "المقتطف" ليعقوب صروف ومجلة "البيان" لعبد الرحمن البرقوقي، أضف إلى ذلك الصحف التي تخصص للأدب والثقافة في مصر والشام والعراق ملاحق ودوريات. هذه المجلات والصحف كان روادنا يتابعونها بكل عدد يأتي من الخارج، فتبهرهم فيها قصائد أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران والبارودي وأحمد محرم، وإبراهيم ناجي ومعروف الرصافي والجواهري وعمر أبو ريشة وبدوي الجبل والأخطل الصغير وجبران خليل جبران وسواهم من الشعراء والكتاب والبلغاء. إن ثقافة الرواد بصفة عامة وفي الحجاز بصفة خاصة مجلوة بالأصالة ومطوية على المعاصرة مما جعل أدبهم أصيلا وثقافتهم معاصرة، فكم ألفوا من الكتب وكم أنشدوا من الدواوين. إنها ثقافة رواد أخلصوا لعملهم ودأبوا على أدبهم قولاً وفعلاً وكتابةً وتأليفا. فلمحمد عمر توفيق "طه حسين والشيخان" ولمحمد سعيد العامودي "من تاريخنا" و"من حديث الكتب" و"من أوراقي" ولعبد القدوس الأنصاري "رحلة ابن جبير" و"عبدالمحسن الكاظمي" و"الملك عبدالعزيز في مرآة الشعر" ولأمين مدني موسوعة "العرب في أحقاب التاريخ" ولأحمد جمال "محاضرات في الثقافة الإسلامية" و"ماذا في الحجاز" و"سعد قال لي"، ولعبد العزيز الرفاعي "المكتبة الصغيرة" سواء مشاركة أو نشرا وتوزيعا. هذه الأسماء وهذه المعالم أمثلة لثقافة أدباء الحجاز الذين أثروا الساحة الثقافية بالآداب والعلوم والفنون دنيا ودينا علماً وعملا سابقاً ولاحقاً.