تعالت الزغاريد من قاعة الاستقبال في منزل الأسرة ، معلنة وصول المأذون . يالها من لحظة فارقة في حياة محاسن جعلتها تقفز من مقعدها، وتهرع إلى المرآة. الغريب في الأمر أنها نفس المرآة التي تأنقت أمامها في لحظة مماثلة منذ حوالي عشرين عاما.بينما كل مابداخلها اختلف كليا رغم عدم تغير ملامحها كثيرا. الفرق بين اللحظتين هائل كالفرق بين إحساس النكسة ،وإحساس العبور . تفرست وجهها مليا مزهوة بشبابها وجمالها الذي لم تنل منه السنوات ، جمال روحها كان كفيلا أن يجعلها تصمد رغم التعاسة والألم . ارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة، تفاعلت معها كل أجزاء جسدها الغض، جذبت شعرها إلى الخلف،وراحت تمتع ناظريها بقرطها الذهبي الأنيق الذي يتدلي من شحمتي أذنيها. لم يسبق لها أن تزينت بأكثر من الفضة،بل لم تتجرأ حتي بأن تحلم بربعه يوما.ثم في حركة رشيقة مدت يدها ،والتقطت وردة من المزهرية،راحت تتحسسها بأنفها،وشفتيها وهي تستمتع بأريجها،ثم مالت برأسها إلي الوراء في حركة نشوة لتتفاعل مع الصوت الشجي المنبعث من آلة التسجيل التي صاحبتها حينا من الدهر. ( يا حبيبي.. الليل وسماه.. ونجومه وقمره وسهره وإنت وأنا يا حبيبي أنا.. يا حياتي أنا.. كلنا كلنا في الحب سوى والهوى.. آه منه الهوى سهران الهوى.. يسقينا الهنا.. ويقول بالهنا) أغمضت عينيها دون وعي ليمر علي خاطرها شريط الذكريات ، سنوات عجاف ذاقت فيها كل أنواع المرارة والحرمان. محاسن…تلك المراهقة الصغيرة التي لم تشبع من الحياة مثل قريناتها.لقد كانت تعيش تحت رحمة أخ متعجرف. بعد وفاة والدها في سن مبكرة ، كان فظا،غليظ القلب،سليط اللسان.تسبق يده كلماته في تعامله معها. ببساطة…كاتت تسكنه عقدة (سي السيد) حد النخاع. لم تعرف قصص الحب إلا من خلال الأفلام،والمسلسلات التي يعرضها التلفزيون والذي عادة ما تسارع إلي إغلاقه كلما أحست بأخيها يدير المفتاح في الباب،فلم تكد تكتمل في ذاكرتها قصة أبدا. كانت كغيرها ممن هن في مثل سنها،ترسم في مخيلتها صورة لفارس الأحلام المنقذ الذي سيظهر يوما لينتشلها من براثن الغبن،وويلات التسلط. وجاء اليوم الموعود.فقد أخبرها أخوها أن أحدهم تقدم إلي خطبتها،وقد وافق! لم يزعج الأمر كثيرا بنت السابعة عشرة سنة،بل في قرارة نفسها كانت تري أن أي تغيير سيكون أجمل مما تعيشه في هذا البيت الذي تخيم عليه الكآبة،ولا يهتز إلا لصراخ اخيها. وبسرعة البرق تم تجهيزها بالمتاح،لتزف إلي عريسها الأكبر منها سنا،في ليلة رسمتها بداية لحياة وردية تمنحها الإنعتاق،والإحساس بالذات.ورسمها لها القدر بما لا يمكن أن تطلع عليه أفئدة البشر ( إزاي أوصف لك يا حبيبي إزاي قبل ما أحبك كنت إزاي كنت ولا امبارح فاكراه ولا عندي بكره أستناه ولا حتى يومي عايشاه خدتني بالحب في غمضة عين وريتني حلاوة الأيام فين الليل بعد ما كان غربة لقيته أمان والعمر اللي كان صحرا صبح بستان ) مع توالي الأيام ،إكتشفت أن الفرق شاسع بين الحلم والواقع.فلا فارس الأحلام كان فارسا،ولا طريقها كانت مكسوة بالأزهار. لقد فشل في تحسيسها بالأمان معه،بل كان نموذجا للإنسان الفاشل الذي يزرع روح اليأس والإحباط حوله. طموحاتها كانت أكبر بكثير من أن تحبسها بين أربعة جدران.لكن ما عساها تفعل وقد أرغمها القدر علي العيش بين فكي الرحي.أخ متعنت،مازال يتدخل في حياتها رغم زواجها،وزوج أثبتت الأيام سلبيته وعدم قدرته علي مسايرة وتيرة الحياة،أو حتي دفعها إلي الأمام ولو بكلمة تحفيز. ومع ذلك،كانت بين دمعة حارقة،وابتسامة تسرقها من الزمن الردئ،تمني نفسها بأن الحياة لا بد أن تتغير، وأنها ستنطلق يوما نحو الشمس. يتبع ولحديث القلوب شجون لاتنتهي شيرين الزيني [email protected]