ذهبت ذات ليلة الى ما أطلق عليه – مهرجان جدة التاريخية – الذي كان من أول مفاجآته ذلك الاقبال الأسري الذي شهدته هذه المنطقة التاريخية مستجلبة كل ذكريات ذلك الماضي الذي كنا قد نسيناه أو تجاهلناه في غمرة انسياقنا في هذه الحداثة العمرانية التي أخذت منا الكثير من بساطتنا ومن عفويتنا.. ففي تلك الأحياء القديمة كانت شبكة اتصالاتنا تكاد تكون متطابقة لا انفصال بينها.. بتلك الأجواء التي كانت تعرف بعضها بعضاً.. وتتآلف مع نفسها في جدلية لا تعترف بالفوارق.. فلا تنافر بينها ولا تعدي على خصوصياتها أو على حياتها.. في عملية احترام وبعد عن كل ما يخدش حياءها.. لقد لفت نظري في تلك الزيارة وذلك التكدس الأسري حيث اختلط الكل بشكل عفوي فلم يحدث ما يفسد هذا – اللقاء – في تلك المساحات الضيقة.. الكل كان في قمة احترامه لنفسه وللآخر.. وهذا ما أبطل ما يشاع من أن هناك من الشباب من يمارس تعديه على الآخرين.. لقد أبطلت هذه الظاهرة هذه المقولة.. واثبتت أن ما قد يحدث في بعض زوايا الحياة من بعض الشباب.. المنفلت هو الاستثناء وليس العام.. وهذا ما ذكرني ما كان متاحاً قبل خمسين عاماً تقريباً عندما كانت الأسرة تذهب مجتمعة الى المواجهة الشريفة في المسجد النبوي الشريف للسلام على رسول الله صلوات الله عليه وسلامه.. وكان صوت – المزور – أو الدليل في خفوت "هامس" وهو يقوم بتلقينهم مفردات السلام دون أن يحدث ما يخدش الحياء وهذا أمامنا الآن شعيرة الطواف التي تجري من مئات السنين.. بلا حوادث خارجة. إن الإنسان حسب ما تعود وتربى عليه من خوف من الله تكون مسيرته.