في احدى الترددات لديوانية الراجحي الاسبوعية جرى الحوار عن "الادخار" ذلك الفكر الغائب عن فكرنا الذي ينادي "القرش الابيض واليوم الاسود". والموضوع ليس جديداً في عالم الاقتصاد بل جرى في اكثر من مناسبة الحديث عنه وأكد الخبراء والمختصون في الدراسات الاستراتيجية ضرورة الاهتمام برفع معدلات الادخار كسبيل لزيادة حجم الاستثمارات وتحقيق معدلات مرتفعة النمو تحتاجها الاقتصادات النامية ومن بينها الدول العربية بما في ذلك المملكة وهي تلك الدول التي تستقبل القدر القليل من الاستثمارات الاجنبية مقارنة بمثيلاتها على مستوى دول العالم المتقدم. لذلك دار الحديث في تلك الامسية في ديوانية الراجحي حول اهمية ثقافة الادخار لدى الفرد السعودي وتنمية رأس المال الشامل كهدف قومي لتحقيق نقلة نوعية في الاداء الاقتصادي السعودي . اذن كيف تجذب المواطنين للادخار؟ هذا هو السؤال الذهبي الذي طرحه المشاركون في حوار تلك الامسية للاجابة عنه؟ وجاءت الاجابة سريعاً الى اننا بحاجة الى ثقافة الادخار في بلادنا لانه هو المصدر الآمن لتمويل مشروعات التنمية في بلادنا وفي حالة عجز الادخار المحلي عن الوفاء نتيجة لغياب ثقافة الادخار في المجتمع لا يكون امامنا سوى خيارين اما تخفيض سقف الطموحات التنموية والرضا بمعدل أقل للتنمية واما اللجوء الى مصادر خارجية لسد الفجوة بين الادخار المتاح والتمويل اللازم للاستثمارات. اذن فأي روشتة للانطلاق الاقتصادي السعودي تعتمد دائماً على المدخرات الخاصة ، انها الوسيلة الاساسية لتحقيق النمو الاقتصادي على اسس سليمة. وهنا يصبح الحل واضحا وهو : ان الادخار الحقيقي هو عصب عملية التنمية فالوصول الى معدل نمو لا يقل عن 7% لن يأتي الا بمدخرات واستثمارات سعودية . ومادام الامر على هذا النحو لشرح اهمية الادخار المحلي وعلاقته بالتنمية الشاملة وبرأس المال الشامل يُصبح مطلباً قومياً، خاصة اذا افترضنا للجمهور الذي يتطلع الى تنمية طموحه تحقق طموحاته. وفي اطار النظرة السابقة نقول انه ليس مطلوباً ان تصل قيمة هذه المدخرات التي يقدمها الفرد منا الى الالاف من الريالات وانما يكفي الاستجابة لهذا المبدأ بريال واحد فقط ان أي مبلغ يتم ادخاره مهما كانت قيمته سوف يصل بالتجميع في النهاية الى الملايين بل المليارات من الريالات حيث يتم صبها في ادارة المشروعات لزيادة امكانيات الاقتصاد الوطني واتاحة الملايين من فرص العمل. فاذا نظرنا الى تجارب الدول في ممارسة ثقافة الادخار لوجدنا ان معدل الادخار في كوريا الجنوبية كان يدور حول (32% – 37 %) من التاريخ الاجمالي في سنوات التسعينيات ويتراوح هذا المعدل بين (32% – 48%) في ماليزيا وبين (43% – 52%) في سنغافورة خلال الفترة نفسها أي ان دول شرق وجنوب شرق اسيا كانت تدخر ما بين ثلث ونصف ميزانيتها المحلية الاجمالية اما لو شئنا الحديث والمقارنة لدينا فربما يصل الادخار السنوي المتوسط لدينا الى (10%) على احسن التقديرات الاجتهادية. إذن يجب التركيز على الادخار المحلي (الخاص) لانه الاستراتيجية المثلى لتنشيط الاستثمار المحلي بل انه يُعتبر المتغير الرئيسي الذي يساعد على تحقيق المستوى المستهدف للتنمية السعودية فمن خلال هذه المدخرات يمكن تمويل المشروعات الصغيرة والكبيرة في آن واحد, وعند هذه النقطة أرى انه لابد من التأكيد على ان اقامة المشروعات الصغيرة تفتح الباب امام الشباب وتقضي على مشكلة البطالة وبالتالي فهي لا تقل تأثيراً على النشاط الاقتصادي السعودي منها المشروعات الكبيرة بمعنى آخر فان الاستثمار في الصناعات الصغيرة سوف يتحول بالرعاية والتنمية من قبل الدولة واشراف الغرف التجارية السعودية المباشر والموجه الى مشروع كبير في النهاية. ومن هذا المنطلق فان هذه المبادئ الاقتصادية التي اشرنا اليها سابقا ليست كلاماً نظرياً أو شعارات خاوية أو كلاما كاذبا وانما هي حقائق تواجدت على الساحة الاقتصادية بناءً على تجارب ناجحة صورتها لنا الامم المتقدمة كما تجسدت في امثلة عديدة ونماذج رائعة يضرب بها الامثال لمن اراد ان يعرف صلابة ومتانة هذه المبادئ الاقتصادية فمثلا نجد ان الاقتصاد الالماني القوي الذي استطاع بعزيمة شعبه التغلب على آثار الهزيمة بعد الحرب العالمية الثانية بإنشاء اقتصاد قوي قائم على الصناعة الجيدة وزيادة نصيبه في النظام الاقتصادي الاوروبي بل والعالمي وذلك عن طريق زيادة صادراته اضافة الى ممارسته التجارية في النشاطات الاقتصادية الاخرى انما جاء وليد نشر الوعي الادخاري واقتناع الافراد في المجتمع الالماني بأهمية ادخار جزء من الدخل مهما كان ضئيلا للمساهمة في توفير الضمانات الشخصية للمستقبل. لذلك فإن الدعوة لتشجيع الادخار الفردي كما وان في حوار اثنينية الراجحي ورفع شعار "القرش الابيض واليوم الاسود، انما يؤكد للجميع احساساً بالمسؤولية المشتركة والايمان الواحد بان النهوض الاقتصادي السعودي هو لصالح كل افراد الامة والوطن معاً. هذا الاحساس الذي شاع في الديوانية جعل الادخار الشخصي من تفكير الشخصية السعودية. اذن فان المقصود من ثقافة الادخار لدى الجمهور هو اشعارهم بانه من المفروض الا تعتمد على الاستثمارات الاجنبية فحسب وانما يجب الا تؤدي زيادة تدفقها الى الابطاء في تعبئة وتنمية فكرة ثقافة الادخار المحلي حيث انها الوسيلة المضمونة والمستمرة لتمويل الاقتصاد الوطني. وليس المقصود بهذا الجهد الاملاء والتوجيه ولكن المقصود التثقيف والاعلام للجمهور واشعارهم بانه من المفروض الا تعتمد على الاستثمارات الاجنبية فحسب، وانما يجب ان تؤدي الى زرع ثقافة الادخار الفردي المحلي. ان هذا الاتجاه الحديث في التفكير في بناء الشخصية السعودية سيؤدي الى النمو المستمر والمضطرد على طريق المدخرات وتحويله من حلم الى واقع ملموس.