هناك عداوة دائمة بين السعوديين، ربما الخليجيين، وبين الادخار، وكنت أحسبها عداوة مع التخطيط المالي، لكنها في ما يبدو استعداء المستقبل عبر التفريط في الحاضر، هكذا هو الفهم الاقتصادي المغلوط لدى الغالبية، لكن النبأ السار نسبياً، أن هذه الحالة ليست خليجية بامتياز، فمعظم دول العالم الثالث تعيش المشكلة نفسها. يعد الادخار أحد الأمور المهمة في تنظيم الحياة الاقتصادية للأفراد والمجتمع، وتعريفه ببساطة هو الاحتفاظ بجزء من الكسب أو الدخل لوقت الحاجة إليه في المستقبل، هذا بلغة الاقتصاديين، أما بمحكية الناس فهي «من دس غداه تعشاه»، ولأن العشاء يثقل على المعدة فنتحول إلى المثل التقليدي «القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود». وقضية الادخار من أهم القضايا التي ركّز عليها الفكر الاقتصادي كركيزة من ركائز التنمية الاقتصادية، فقد أرجع كثير من الاقتصاديين الفقر الذي تعاني منه بعض البلدان النامية إلى عدم قدرة الأفراد على الادخار، مما يعني انخفاض عرض رأس المال وانخفاض معدل النمو الاقتصادي. ويجمع الكثير من الاقتصاديين على أن الادخار مهم لتوفير رؤوس الأموال الضرورية لتنفيذ أي برنامج استثماري للفرد، أو حتى للمنشآت بشكل أو بآخر، وإذا زادت الاستثمارات، زادت فرص النمو، وتوسّعت الأعمال، وتوافرت فرص العمل، الأمر الذي يجعل المدخرات المحلية تعلب دوراً مهماً في المعادلة الاقتصادية لأي مجتمع، وتحقق التوازن في سوق السلع والخدمات، وهو أحد المتطلبات الرئيسية لتحقيق التوازن الكلي للاقتصاد وتحقيق الاستقرار الاقتصادي. وفي ثقافتنا يعد الادخار ظاهرة قديمة قدم إدراك الإنسان لضرورة الأخذ من وقت الرخاء لوقت الشدة، وقد ضرب الله لنا مثلاً في كيفية تنظيم موارد البلاد والاستعانة بالرخاء على الشدة على لسان نبيه يوسف في القرآن الكريم. وإذا سلّمنا بكل ما سبق، وحاولنا مقاربته على أوضاع غالبية الأفراد، وربما بعض المؤسسات، نجد هذه الثقافة غائبة، إما بسبب الرخاء، أو بسبب الجهل بأهميته، أو بسبب ثالث يبدو غريباً أو طريفاً هو أن البعض يسخر من ادخار مبالغ صغيرة، ويعتقد أن ذلك مضيعة للوقت، ويضيع العمر دونما تحقيق شيء يذكر على المستوى الاقتصادي والاستثماري. وبقي أن النساء العربيات تحديداً يحاربن فكرة ادخار الرجل، والأخير هو السبب في ذلك، فلقد أثبتت التجارب أن الأمان له لا يشبهه إلا الأمان إلى أن الماء لن يتسرب من ثقوب «الغربال» كما جاء على لسان السيدة «نعيمة الصغير» في ثلاثة أرباع أفلام السينما المصرية «هي موجودة في الربع الرابع لكن المقاطع حذفت رقابياً». [email protected] @mohamdalyami