مرت الساعة كلمح البصر،لتجد لهفتها تزداد،فما أسعفها حظها لتملأ عينيها بصورته ،وملامحه التي كانت تلتقطها مجزأة بين عشرات الرؤوس . انتفضت في مكانها كمن لدغتها أفعى، وهي تراه يلتقط محفظته ،ويغادر مسرعا من الباب الأمامي. لم تفق إلا وهي تجري صوب الباب الخلفي علها تستطيع اعتراض طريقه ،وتحقيق حلمها بمصافحته و…ملامسة يده. تزايدت دقات قلبها ، وقد ألفته محاطا بمجموعة كبيرة من الطلاب.تسمرت في مكانها لبرهة من الوقت،ثم راحت تزاحمهم بكتفيها،ومنكبيها لتفسح لنفسها مكانا بينهم.ملأت رئتيها برائحة عطر رجولي راح يغزو كيانها ،ويدغدغ أنوثتها كلما تحرك في مكانه وهو يرد علي المحيطين به.ارتسمت علي محياها ابتسامة خبيثة كأنما تريد أن تقول لهم:سأريكم من أنا ومن هو.ستعرفون أنه لي…لي وحدي!!! سلمت عليه هامسة، ومدت يدها وهي تغمض عينيها كمن تريد أن تحس اللحظة دون أن يعكر صفوها أحد. بقيت يدها باردة.فتحت عينيها ببطء لتري يده مازالت حبيسة جيبه وهو يواصل حديثه مع الطلاب دون أن ينتبه حتي لوجودها.أرادت التراجع ولكن ساقيها خانتاها.فجأة استأذن من المجموعة ، لتبتلعه الجموع المتزاحمه في أروقة الجامعة. (والليالي تمر بيا…. بين أماني وبين ظنون وانت يا غالي عليا…. كله في حبك يهون) ليلتها تقلبت كثيرا في فراشها ،لقد تزاحمت الصور وتلاحقت أمام عينيها المتعبتين من الأرق.كانت تطرح علي نفسها ألف سؤال وسؤال،وترسم في مخيلتها ألف خطة وخطة.كانت تريد أن تطرق الحديد وهو ساخن.فمااختارت كلية الإعلام إلا لتفوز به وتنعم بقربه. رن منبه الهاتف معلنا ساعة الاستيقاظ.تمددت وتمططت في مكانها ،ثم قامت متثاقلة ،متجهة إلي الحمام. يا لهول ما عكست لها المرآة. لقد غارت عيناها وأحاطت بهما زرقة مقيتة .ابتلعت ريقها وهي تهمس لنفسها،ياالله ما هذا؟ كيف سأقابله اليوم؟ كيف سأجلب نظره وأنا في هذه الحال؟ على اخفاء هذه البشاعة بكل ما أملك من مساحيق وأدوات تجميل. يومها،وعلي غير العادة أفطرت واقفة وهي تسترق النظر إلي الجريدة في يد والدها.لم تعد محتاجة إليها ،هو الآن واقع في حياتها ،لا مجرد صورة وكلمات.ستراه بالعين المجردة وتسمع صوته الذي طالما تاقت نفسها له. ها هو…يجب أن أدركه قبل أن تبتلعه الجامعه! لم تنتظر أن تتوقف حافلة الطلبة توقفا تاما ،لتجد نفسها تقفز من الباب وتجري لاحقة به. -صباح الخير أستاذ…(قالتها وقد اختلط صوتها بأنفاسها المتسارعه من شدة الركض) -صباح الخير(قالها دون ان يتوقف أو حتي ينظر لها) أنا …أنا سلمي أريد الحديث معك . -يا ابنتي إذا كانت عندك أسئله اطرحيها في المدرج. ( تجري دموعي وانت هاجرني…. ولا ناسيني ولا فاكرني وعمري ما اشكي من حبك…. مهما غرامك لوعني ) كعداء فقد قوته مع الأمتار الأخيرة ، دخلت الجامعة وهي تجر رجليها جرا. أحست بشئ ما قد تكسر في داخلها،وراحت تحدث نفسها بصوت مسموع:ابنتي؟أنا ابنتك؟أنا التي قضت الشهور ترسمك حلما علي وجه القمر ،لتناجيه حتي تغيبه خيوط الفجر…أنا التي طالما تنفستك فارس أحلام وكانت تسابق الزمن لتجعلك واقعا في حياتها…أنا…أنا ابنتك؟ أفاقت من غيبوبتها مذعورة علي صوت منبه إحدي السيارات لأنها كانت تمشي مترنحة،متثاقلة وهي تتوسط الطريق. أخذت تجمع بعض ما سقط منها من كتب ، ودفاتر باليمني،وباليسري تمسح دمعة غادرة بللت وجنتها. مرت محاضرات الفترة الصباحية دون طعم.بل إنها لم تكن قد انتبهت لمن ألقاها ، ولا ما هو محتواها. ولحديث القلوب شجون لا تنتهي نكمل الأسبوع القادم