الإنسان يألف ما نشأ عليه ، ولا يمكن فصل الإنسان عن ماضيه ، فالإنسان كائن تاريخي يرتبط بالماضي وبتراثه وثقافته ،فالبيئة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لها أكبر الأثر في تشكيل الفكر وبرمجته حتى يصبح الإنسان أسير هذه الأفكار والمواريث يكاد لا يستطيع الخروج عنها حتى ولو تغيرت الآليات فأصبح يستخدم السيارة بدلاً من الناقة وهكذا كان شأن الأمم السابقة ورفضها للتطوير والتجديد بحجة المحافظة على التراث ولسطوة البرمجة الفكرية التي يعيشها الإنسان في طفولته وثقافة المجتمع ومفرداته التي نشأ فيه ، قال تعالى { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } . الماضي والتراث والمكان لهما سطوة لا يتنبه لها كثيرون ، فالقبلية والعنصرية والمذهبية من نتاج المكان والتراث والتاريخ المشترك ( الماضي ) هذه البرمجة التي تحدث مُنذ نعومة الاظافر تفرض تلقائياً مفرداتها وثقافتها على الإنسان وتجعله أسير لها وتتسبب في إعاقة التغيير والتجديد لعدم القدرة على استيعاب برامج اخرى غير التي تبرمج عليها فكريا. وخاصة اذا تشبعت بثقافة رفض الآخر وتعظيم الذات وتقديس الأسلاف . إن الماضي وسحره على الإنسان لا يجب أن يحرم من عودة الوعي والفكر والعقل والتأمل وتصحيح المسار والرجوع إلى النفس لمعالجة البرمجة الفكرية التي خضع لها من اليوم الأول لظهوره في هذه الحياة ، والخروج على كثير من المسلمات التي تقهر العقل والفكر وترفض المخالف ، بدلا من الاستسلام لمخلفات الماضي التي تجعل من التجديد والتنوير كلمات ميتة فاقدة المعنى وعديمة الجدوى تؤدي الى فقد الوعي وعدم الشعور بما حولنا وبحاضرنا . إن العيش في القوالب والقواعد والشعارات والكلمات التي قيلت في الماضي واستخفت بعقل الإنسان في الحاضر فاتبعها واعتبرها منهجًا وطريقاً لا يستطيع أن يحيد عنه بسبب البرمجة الفكرية التي خضع لها. في ظل القوالب والقواعد التي جاءت في التراث وتم البرمجة بموجبها ، لا شك أن نظرية المؤمرة ورفض الآخر وثقافة الموت وعقدة الذنب والاستخفاف بالحياة سوف تظل وتتوارث كنتيجة طبيعية لهذه البرمجة الفكرية. إن ثقافة الحياة جعلت من اليابان قوة اقتصادية وكذلك الصين وكوريا الجنوبية بدون أن يفقدوا شخصيتهم لأنهم لم يتوقفوا عن التفكير ولم يستسلموا للبرمجة الفكرية المعيقة للفكر والوعي.