النفط يصعد 2% وسط مخاوف الإمدادات    إطلالة على الزمن القديم    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    «الولاء» يتفوق في تشكيلة الحكومة الأميركية الجديدة    وزير الرياضة يوجه بتقديم مكافأة مالية للاعبي فريق الخليج لكرة اليد    أرصدة مشبوهة !    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    الخليج يتأهل إلى نهائي "آسيوية اليد"    نخبة فرسان العالم يتنافسون على 43 مليوناً    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    فعل لا رد فعل    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    إحباط تهريب (26) كجم "حشيش" و(29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    العوهلي: ارتفاع نسبة توطين الإنفاق العسكري بالمملكة إلى 19.35% مقابل 4% في 2018    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    الشاعرة مها العتيبي تشعل دفء الشعر في أدبي جازان    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    اكتمال وصول الدفعة الأولى من ضيوف خادم الحرمين للعمرة والزيارة    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    الصقور السعودية    «المسيار» والوجبات السريعة    الإعراض عن الميسور    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    استهلاك عدد أقل من السجائر غير كافٍ للحد من الأضرار التي يتسبب بها التدخين    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهجوم على الغرب وتحميله مآسي العرب ادعاءات لا تصمد للتمحيص
نشر في عكاظ يوم 07 - 02 - 2013

في الحلقة الثانية من حواره مع «عكاظ» اعتبر المفكر والباحث الموسوعي إبراهيم البليهي أن ثورة الإنترنت لم يكن لها أثر إيجابي في البيئة العربية بسبب انعدام القراءة، مشيرا إلى أن تغيير الأشخاص في المجال السياسي أسهل بكثير من تحرير العقول وإعادة تكوين الثقافة وإعادة تشكيل العقل الجمعي، ورأى أن نتائج التعليم في العالم العربي تكرس الانغلاق الثقافي والسياسي، فإلى التفاصيل:
قلت: «تجربة عام بتويتر وعشرة آلاف تغريدة كافية لإعطائي تصورا عن تفاعل الناس مع الأفكار لذلك قررت أن أتوقف أو أقلل جدا من التغريد»، فما نتائج هذه التجربة ؟
أوجدت حسابي في تويتر مع إشراقة الربيع العربي لأن ذلك الفوران القوي المفاجئ كان يؤذن بانفراج سريع وحاسم لسوء الأوضاع في الأمة العربية وإلى تبدل الأحوال نحو الأفضل، لكن الأحداث أثبتت بوضوح أن الخلل الثقافي سيظل مهيمنا فترة قد تطول وأخشى أن يدب اليأس فيعود العرب إلى الاستسلام للأمر الواقع فيبقون خارج مسيرة التاريخ وخارج نطاق آفاق الازدهار وإمكاناته المتاحة لغيرهم من الأمم.
في تويتر يلتقي الناس من كل المستويات ومن كافة الانتماءات فأبتهج حين يكثر المستنيرون وأغتم حين أرى طوفان المبرمجين الذين ينفجرون ضد أية فكرة مغايرة مع أن المغاير هو شرط التقدم والازدهار فالنمو لا يحصل إلا بما يضاف وليس بالدوران والتكرار، فما نراه في الدنيا من تطورات كلها مضافة إلى الحياة ومغايرة لما كان سائدا من قبل ولكن البرمجة عمياء.
من خلال متابعتك لما يكتبه العرب على الإنترنت ما تقييمك لقيمة المضامين التي يطرحونها؟
الإنترنت ثورة عالمية جارفة غير مسبوقة لقد كان اختراع الطباعة نقطة تحول حاسمة في التطور الأوروبي ثم العالمي، لكن ذلك الاختراع العظيم وما أسفر عنه من توفير الكتب ونشر المطبوعات وتيسير القراءة لم يكن له أثر إيجابي في البيئة العربية؛ لأننا نحن العرب مجتمعات غير قارئة وإذا قرأنا انغمسنا في قراءات تنفرنا من التغيرات النوعية التي طرأت على الحضارة الإنسانية بوصفها من الغزو الفكري، لقد تبرمجنا بأن نحارب كل الأفكار الخلاقة المغايرة فاستنفرنا الأجيال كلها للمقاومة العنيفة لضمان الابتعاد عن أي فكر من خارج السائد فتضاعفت الحواجز النفسية وتكاثفت عوامل الرفض فاستحكم الانسداد، إننا في قراءتنا نهتم غالبا بما يرسخ الواقع ويمجد الماضي ويؤكد الاكتفاء بالتراث ويحتمي بكل ما هو مستقر في أذهاننا وما هو سائد في ثقافتنا ونتجنب الأفكار المثيرة والمضيئة المغايرة، أما الإنترنت فشيء مختلف كليا فبواسطته تمكن العرب من أن يروا العالم مجسدا في انطلاقه وجيشانه وازدهاره وحرياته، وأدركوا أنهم يعيشون خارج مسيرة الحضارة المزدهرة، فالإنترنت لم يكن مجرد كلام يقال، ولكنه نقل الناس ذهنيا وعاطفيا ليعيشوا مع الجيشان العالمي الزاخر بالأفكار والتغيرات، فاكتشفوا عن طريق المقارنة فظاعة التخلف والفقر والتهميش والاستبداد والواقع الخانق الذي يعيشونه ويكابدون ويلاته ويغرقون في مهانته فهبوا للتغيير لكن ما زال أمامهم مشوار طويل وعقبات ثقافية مستعصية، فالخلل ليس في الأشخاص بل هو خلل ثقافي عميق ومعضل إلى أقصى وأعصى درجات الإعضال فالخلل ليس في الأشخاص بل هم نتاج الخلل الثقافي المزمن المعقد.
الحقائق الساطعة
ذكرت أن الغرب هو مصدر الإشراق في الثقافة والسياسة والعلم والتقنية والاقتصاد والتسامح، فما تفسيرك لمقولة المفكر الفرنسي رجاء جارودي الذي قال: «إن حضارة الغرب قامت على الاستعارة من الحضارات الأخرى ودليل ذلك أنها لجأت إلى الأسطورة في تفسير ظواهر الوجود» ؟ وماذا تقصد بالإشراق ؟
بذلت محاولات كثيرة وملحة إلى درجة الهوس لنفي تفرد الإغريق ومن بعدهم نفي امتياز أوروبا باعتبارها الوريث لذلك الإشعاع الباهر العجيب الذي انبثق في اليونان في القرن السادس قبل الميلاد وبلغ نهاية إشعاعه في القرن الخامس قبل الميلاد، لكنها محاولات بائسة ويائسة، فهي غير قادرة على حجب الحقائق الساطعة إن هذه المحاولات تؤدي إلى إبقاء المتخلفين في قاع تخلفهم وسواء حسنت النيات أم ساءت فإن النتيجة واحدة وهي صرف أذهان الشعوب المتخلفة عن أسباب تخلفها وإبقائها كما هي متخلفة رغم كل عوامل التقدم المتوفرة التي تزخر بها الدنيا، إن الهجوم على الغرب وهجاءه وتحميله المآسي التي يعانيها العرب وغيرهم والتنفير منه والتهوين من إنجازاته بادعاءات لا تصمد أمام التمحيص إن هذا الموقف الخاطئ ليس محصورا بالمفكر جارودي، بل كثيرون نهجوا نفس النهج من أمثال تشومسكي وهم بهذا متأثرون بالتيار الماركسي المعادي للعالم الحر، وعموما فإن جارودي مفكر كبير، لكن موقفه من الغرب ورؤيته عن الحضارة الغربية هي ذات دوافع عاطفية إنها رؤية جائرة ومنحازة وغير موضوعية ورغم أن رسالته للدكتوراه كانت عن نظرية المعرفة وهي نظرية تحرك العقل وتكشف سوءات الانحياز وتظهر الامتياز المطلق للثقافات الأوروبية التي تأسست على الفكر الفلسفي العقلاني إلا أنه عاش منحازا للماركسية وكارها للغرب الحر ثم تحول إلى الإسلام فبقي على انحيازه ضد العالم الليبرالي الحر تحت ذريعة مقاومة التوغل الرأسمالي، لكنه غير حجة في هذا المجال فهو ليس موضوعيا فيما يتعلق بالغرب، وهنا لا بد من التفريق بين الثقافة الغربية الثابتة والممارسات السياسية المتقلبة العابرة.
ذهبت إلى أن لدى المجتمع العربي رأياً مسبقاً عن الغرب صنعه المستبدون، فلماذا تغفل تأثيرات جرائم الغرب في حق العرب من المسؤولية عن صنع تلك الصورة السلبية للغرب ؟ ولماذا لا تدين هذه الجرائم؟
الرأي المسبق أخطبوط يغتال العقل ويستهين بالحقيقة ويكرس الأوهام ويحمي الجهل سواء على المستوى الفردي أم الجماعي إنه يحجب الحقائق ويحافظ على الأوهام ويعطل التفكير الناقد ويستبقي التصورات الخاطئة ويحمي بنية التخلف من أن تنكشف بأضواء الحقائق الساطعة، فالعالم يتغير ونحن نصر على تصوراتنا النمطية القديمة عن الغرب قبل أن يتطور، فالغرب تتغير مواقفه جذريا وتتبدل رؤاه بسرعة لكننا نستبقيه داخل تصوراتنا الثابتة المنمطة التي تكونت تاريخيا قبل تطوراته الهائلة، فالأوربيون كانوا يتقاتلون فيما بينهم بمنتهى الشراسة والعنف ولكنهم الآن يتحدون فهم في تغير دائم وتشهد أوضاعهم وثقافتهم تحولات عظيمة حاسمة، فأوروبا تشهد منذ عقود تجربة فريدة في التحول المذهل نحو الاتحاد رغم تباين التاريخ واختلاف اللغات وتعدد المذاهب وكذلك أمريكا اختارت رئيسا أسود ثم أعادت انتخابه بعد أن كانت تفور بالعنصرية ضد السود وكل هذه التغيرات النوعية في الغرب تحققت خلال عقود قليلة.
إن التاريخ الإنساني تتجسد فيه الصراعات بين الأمم كما تتجسد فيه الصراعات بين المتنافسين أو المتعارضين داخل كل ثقافة لكن في النهاية كانت الحضارة الغربية هي الأسبق دائما للتغير النوعي نحو الأفضل وفي أنسنة السلطة وأنسنة الصراع وكانت مزاياها تمتد إلى جميع الأمم فقبل التعرف على الحضارة الغربية لم يكن العالم يعترف بالإنسان الفرد ولا كان يهتم بحقوقه وإنما كان ينحصر اهتمامه بواجباته وتأكيد قهره، كما أن السلطة السياسية وهي محور الحياة البشرية كانت تقوم على التغالب والقهر ولكن تجربة الغرب هي التي قادت العالم نحو التبادل السلمي للسلطة كما برهنت عمليا أن فصل السلطات وتحديد الصلاحيات واعتماد آليات ضابطة لتنظيم الحياة السياسية وإيجاد مؤسسات فاعلة متوازنة هي الحل الأمثل لتحقيق العدالة النسبية ومنع التجاوزات ونبذ التسلط وتحرير الإنسانية من أساليب القهر ومن الصراعات الدامية حول السلطة ويكفي أن تمعن النظر في القتل والقصف والتدمير الذي يحصل في سورية ثم قارنه بالانتخابات الأمريكية أو بأية انتخابات في العالم الحر.
ثقافة العقل
رأيت أن الثقافة اليونانية في القرن السادس والخامس قبل الميلاد أسست ثقافة العقل فكيف القبول برأي كهذا مع ما تقر به بعض مصادر الفكر الغربي عن هذه الفترة من أن أفلاطون قام بجولة امتدت خارج أثينا طلبا للحكمة طاف خلالها بمصر والهند وأنه تأثر بآراء حكماء مصر في كتابه عن الدولة الفاضلة وكذلك قولهم أن اليونان دولة وضيعة ؟
إن الفكر الفلسفي الذي أبدعه اليونانيون في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد قد مثل قطيعة مع الانتظام التلقائي في تعظيم الأسلاف وترديد أقوالهم والبقاء في أسرهم فافترق الغرب عن الشرق هذا الافتراق الحاسم، فاليونانيون أحدثوا انفصالا حاسما بين ثقافات الانتظام والتكرار والاستسلام والدوران مع نفس مسارات الأسلاف وأبدعوا ثقافة العقل .. خرجوا من قواقع ثقافة الأسلاف المغلقة إلى رحابة الفكر المفتوح النامي المتجدد المقتحم المغامر وقد أنجزت كتابا كاملا عن ذلك بعنوان (التغيرات النوعية في الحضارة الإنسانية) أما أن يقال بأن أفلاطون ساح في العالم الشرقي وتعلم منه فهو قول ساذج فنحن استوردنا من الغرب علومه وتقنياته وتعرفنا على أساليبه ومناهجه واستخدمنا مختلف إنجازاته وتابعنا تحولاته وتطوراته، وعاش الكثيرون منا في دياره وقامت بيننا وبينه علاقات مفتوحة متنوعة، كما أن كثيرين منا درسوا في أرقى جامعاته ومع ذلك ما زلنا غير قادرين على مبارحة خنادق التخلف، فقضايا التخلف والتقدم ليست بهذه البساطة الساذجة التي يتصورها الكثيرون وإنما هي قضايا شديدة التعقيد والتركيب فهي محكومة بعوامل عديدة متداخلة معقدة ما زال علماء الإنسانيات مختلفين أشد الاختلاف في تفسيرها وتعليل ما تتخذه من اتجاهات ومسارات.
ألا تبدو متناقضا عندما تتساءل: كيف نصاب بالعمى عن حقائق التاريخ الصارخة فلم يتقدم أي مجتمع شرقي إلا بمقدار تقليده للغرب وتقر في نفس الوقت بأن ظروف القهر والكبت والفساد جعلت الشباب العربي واعيا ومضيئا أكثر من شباب المجتمعات المزدهرة ؟
إن الوعي بأية مشكلة هو نتاج الاكتواء بها والبحث عن مخارج أو حلول لها، فالذين ينعمون بالصحة لا يدركون مرارات المرض وآلامه وصعوباته والذين لم تمسسهم مجاعات الفقر ومساغبه وويلاته لا يدركون كيف يعيش الفقراء البائسون، كما أن الذين ينعمون تلقائيا بالحريات التي نشأوا عليها ولم يعايشوا الكفاح المرير والطويل الذي بذله أسلافهم من أجلها إنهم بسبب كل ذلك لا يحسون بقسوة اختناقات الحياة في البيئات الاستبدادية، فعامة الناس في الغرب لا يتخيلون الكبت والقهر والخوف الذي عاناه الشعب السوري أو الليبي أو العراقي تحت قبضة حافظ الأسد والقذافي وصدام حسين ومن هنا جاءت فورة الوعي عند بعض الشباب العربي حين اطلعوا على أسلوب الحياة في العالم الحر، فبظهور الإنترنت والفضائيات والانفتاح التام على العالم بكل أبعاده اكتشفت الطليعة الواعية من الشعوب العربية التفاوت الهائل المخزي والمهين فشعرت بالكمد وانتفضت تطلب التغيير تقليدا للغرب وليس ثورة عليه فليس في الأمر أي تناقض.
الوميض الواعد
ألا يثبت قولك «أصبحت شديد التفاؤل بمستقبل عربي مزدهر بعد أن كنت يائسا» إنك لا تملك رؤية موضوعية عميقة في الحكم على الثقافتين العربية والغربية وأن أحكامك عليهما محكومة بتقلبات مزاجية ؟
بعد الصمت المطبق الذي ران على المجتمعات العربية منذ أربعين عاما وبعد الجمود الخانق الذي ساد خلال العقود الماضية أصبحنا نبتهج بأي وميض واعد مهما كان وميضا خافتا فوميض البرق البعيد قد يبشر بالغيث الغدق فيعقبه الربيع البهيج بعد ذلك الجفاف الكئيب.
إن أفظع عوامل التخلف هو الانغلاق الثقافي والاستبداد السياسي، فهما أقوى حصون التخلف وأشنع قوالب الحجر والقهر وإلغاء إنسانية الإنسان وقد انهارت قلاع الاستبداد السياسي وهذا يفتح المجال أيضا لتقويض الانغلاق الثقافي لكن ذلك يستوجب وقتا أطول وجهودا أعظم، فتغيير الأشخاص في المجال السياسي أسهل بكثير من تحرير العقول وإعادة تكوين الثقافة وإعادة تشكيل العقل الجمعي فهذا الهدف بالغ الصعوبة والعسر فالعقل يحتله الأسبق إليه ثم لا ينفك عنه إلا بعمليات فكرية مزلزلة.
إذا كان الغرب هو مصدر الإشراق فبأي شيء تفسر قولك: «إن تقدم أمريكا وازدهارها لا يدل على وجود حكمة فقد ارتكبوا في العراق وأفغانستان أخطاء شنيعة تدل على سذاجة شديدة في فهم الواقع»؟
الحكمة في الغرب هي في النظام وفي توازن المؤسسات الفاعلة وفي الآليات الضابطة وفي الثقافة السائدة وفي حرية التعبير وفي صراع الأفكار الذي يدفع إلى المزيد من النمو والازدهار، وفي الإعلام الحر الذي يسوط الفساد ويعري الإهمال ويكبح الانحراف ويكشف الخطأ فور حصوله ويدفع إلى التصحيح، إن الحكمة هناك في الاستجابة للفكر الرشيد وعدم الاعتماد على أوهام الصلاح التلقائي والتعامل مع الطبيعة البشرية المستأثرة بمنطق العلم وليس بالتهويمات التي يكذبها التاريخ وينقضها الواقع، فالإنسان بطبيعته مستأثر وغشوم وظلوم وجهول ومستبد إذا لم يضبط، فلا بد من ضبط سلطته وتحديد صلاحياته والتشديد في الرقابة على تصرفاته المتعلقة بالشأن العام وهكذا فإن الحكمة هناك ليست في الأفراد بل في النظام الصارم وفي المؤسسات المتوازنة وفي الآليات الضابطة أما الأفراد في المجتمعات المزدهرة فلا يختلفون كثيرا عن الأفراد في المجتمعات المتخلفة فالقرارات الأمريكية بشأن العراق هي قررات فردية سمحت بها صدمة مرعبة بعد ذلك الهجوم المزلزل كما سمح بها كونها تتعلق بالسياسة الخارجية لذلك جاءت فجة وساذجة وحمقاء فليس في الأمر تناقض، فحين يتعلق الأمر بالنظام ومؤسساته وبالسياسة الداخلية وبالفكر العام وبالثقافة السائدة فالحكمة حاضرة بتوازن القوى المؤثرة وبجاهزية التصحيح التي تشبه جهاز المناعة في جسم الإنسان.
اعتبرت أنه لو طغت قوة الصين على أمريكا وأوروبا فسيكون ذلك نكسة للحضارة لأنها ما زالت لا تعترف بالإنسان الفرد ألا يعكس ذلك اعتقادك باعتبار الحضارة الغربية نموذجا ؟ وألا تتماهى في ذلك مع فرنسيس فوكوياما في أطروحته عن انتصار الحضارة الغربية واعتبار ذلك نهاية التاريخ ؟
أكدت مرارا بأنني أتفق تماما مع أطروحات فوكوياما فلا بديل عن الليبرالية كرؤية ولا بديل عن الديمقراطية كآليات وممارسة، إن البشرية تكتسب مع الزمن وتفجر العلوم والأفكار وانتشار النزعة الفردية مزيدا من النضج والارتقاء، وهي لن تقبل مرة أخرى أن تجرب الشمولية الخانقة كما كانت في الاتحاد السوفيتي في عهد ستالين ومن جاءوا بعده حتى انهياره.
قلت: «إن ملايين العرب من خريجي الجامعات في مختلف التخصصات وآلاف من حملة الشهادات العليا كلما زاد عددهم زاد تخلفنا إنها مأساة ومهزلة»، ما الذي دفعك إلى قولك هذا ؟
الناس يتبرمجون في طفولتهم بالثقافة السائدة فتتشكل عقولهم وتصاغ عواطفهم وتتحدد اهتماماتهم فيبقون محكومين بهذه البرمجة، فالتعليم محكوم بالثقافة السائدة وبالبرمجة الراسخة وليس حاكما لهما ومن هنا جاءت نتائج التعليم في العالم العربي مناقضة للعلم.
الفن الأعظم
ذكرت أن الموضوع الرئيسي للفن الروائي هو التعبير عن قضايا الوجود ومعضلات الحياة وأزمات الإنسان، فما تقييمك لمستوى تناول الرواية السعودية لهذه الموضوعات؟
حين تقرأ روايات تولستوي أو دستويفسكي أو هيجو أو بلزاك أو ديكنز أو نجيب محفوظ أو يحيى حقي أو غيرهم من المبدعين فإنك تكون في خضم رؤى فلسفية عميقة وتحليلات اجتماعية ونفسية دقيقة فالرواية في العصر الحديث هي الفن الأعظم الذي تنتشر به الأفكار والرؤى.
أما على المستوى المحلي فإن روايات تركي الحمد وغازي القصيبي ومعجب الزهراني وعبده خال وعبدالعزيز مشري ومحمد علوان ورجاء عالم وأميمة الخميس وليلى الجهني وغيرهم من المبدعين تزخر بالفكر الناقد والتحليل الدقيق.
إنني أتابع بغبطة واهتمام الأعمال الإبداعية في المجال الروائي في المملكة لكنها لا تدخل ضمن اهتمامي في الدراسة والتقييم وإنما هذه مهمة ينهض بها نقاد الأدب.
اعتبرت أن الطفرة الإبداعية التي يشهدها الفن الروائي في السعودية ذات دلالات مهمة في عمليات التحول والعصرنة فما هذه الدلالات ؟ وكيف تساهم الرواية في التحول في ضوء ما سبق وعبرت عنه مرارا من أن المجتمع العربي لا يقرأ؟
إنني أبتهج بأي ظواهر ثقافية إيجابية، ومعلوم أن الفن الروائي من أهم فنون العصر فظهوره كان مصاحبا لبزوغ النزعة الفردية في أوروبا كما أنه أسهم في توسيع وتعميق هذه النزعة في المجتمعات المزدهرة ومن هنا جاء احتفائي الشديد بالطفرة الإبداعية التي شهدها الفن الروائي في المملكة فهي من البشائر الإيجابية ذات الدلالات المهمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.