يحمل لنا التاريخ المصرى القديم تراثاً شعبيا بالغ الثراء. فى الأمثال والحكم، واليوم نلفت إلى ثراء الحكايات الفرعونية التى أثَّرت بشكل كبير فى الثقافات الأخرى, حتى وصل التأثير إلى ثقافتنا "العصرية" فالتفت مبدعونا إلى التراث الشعبي المصري القديم ينهلون منه ويأخذون من أحداثه نواة لإبداعاتهم، ونأخذ اليوم مثلين واضحين على هذا الأثر، وهما حكايتا "أنوبو وبيتيو" و"الصدق والكذب". حكاية "أنوبو وبيتيو": وتسمى أيضا حكاية "أنوب وبتنو" وهذه القصة لا تزال مؤثرة بشدة فى العقلية الإبداعية المصرية وغير المصرية حتى الآن، ومازالت أحداثها تُغنى –بطرق مختلفة- فى المواويل الشعبية فى مصر، وتتلخص أحداثها فى التالي: "أنوبو وبيتيو أخوان ظلا يعيشان عيشة راضية سعيدة فى مزرعة لهما حتى هامت زوجة أنوبو بحب بيتيو، فردها عن نفسه، فانتقمت منه بأن وشت به إلى أخيه واتهمته بأنه أراد بها سوءاً. وجاءت التماسيح لتعين بيتيو على أنوبو ولكن بيتيو ينفر من بنى البشر ويضيق بهم ذرعا ويبتر نفسه ليبرهن ذلك على براءته، ويعتزل العالم إلى الغابات كما فعل تيمن الأثينى فيما بعد، ويعلق قلبه فى أعلى زهرة فى شجرة لا يستطيع الوصول إليها أحد. ويُشفق عليه فى وحدته فيجد زوجة رائعة الجمال يشغف النيل بحبها لفرط جمالها، ويختلس غديرة من شعرها، وتحمل مياه النهر هذه الغديرة فيعثر عليها الملك، فيسكره عطرها، ويأمر أتباعه بالبحث عن صاحبتها، ويعثر هؤلاء عليها و يأتون بها، ويتزوجها، وتدب فى قلبه الغيرة من بيتيو فيرسل رجاله ليقطعوا الشجرة التى علق عليها بيتيو قلبه فيقطعونها". دونت هذه الحكاية –على الأرجح- بين عامي 1250 و1300 قبل الميلاد، وعُرفت فى أوروبا عام 1850م، لكنها –كعادة الحكايات الشعبية- عُرفت شفاهة عن طريق الحكي قبل أن تعرف كتابة بعد اكتشاف وترجمة برديتها. ووصل تأثيرها إلى الأدب الشعبي المغربي فيتضح تأثيرها جلياً فى حكاية "الأخَوان" المشهورة فى المغرب، وأيضا يمتد تأثيرها إلى الأدب العبرى القديم. ومن الأعمال الإبداعية الحديثة التى تأثرت بالحكاية ولكن بشكل غير مباشر مسرحية "الفرعون الموعود" التى كتبها على أحمد باكثير عام 1945، وتشير د.راندا رزق فى كتابها "فيدرا.. امرأة فى ملتقى الحضارات" إلى الجذور الفرعونية فى أسطورة فيدرا، حيث تتحدث قصة الأخوين "أنوب وباتو" عن أخ أكبر طيب يربي أخاه الصغير، لكن زوجة الأخ الكبير تغويه فيعرض عنها، ومن ثم تكيد له عند زوجها فيقتل الأخ أخاه".