علي محمد الحسون وقف الفتى مبهوراً وعيناه زائغتان في اللامرئي أمامه.. قلبه يخفق وهو يرسل نظراته عبر فتحات – الشباك – ذو الحديد الصدئ تلبسته شبه رعشة أو هي رجفة ملأت عليه نفسه عندما تذكر نصيحة – جدته – العجوز وهي تقول له ذات يوم وهما يتقابلان على "كانون" النار في تلك الليلة القارسة البرودة عندما سألها بعد أن مرا بذلك الزقاق الضيق عن من هو صاحب القبر المدفون في ذلك البيت الكبير. فقالت له لا تسأل عن هذا أنك صغير على هذا السؤال. راح يتساءل وهو يغرس نظراته عبر فتحات الشباك.. لماذا لم تقل لي شيئاً. كان زقاق الطوال بأرضيته الترابية يملأ عليه كل أحاسيسه المختلطة في داخله ألصق وجهه بالنافذة أكثر، وضع كفيه على طرف النافذة كأنه يريد أن يعرف ما خلف هذا الحديد، لمح من البعيد عم محمود الساكن في رأس الزقاق قادماً.. تراجع الى الخلف، مر به رد عليه السلام، تابعه وهو يدخل فرن الشريك المقابل له، تذكر عم عبدالله صاحب الفرن ذلك الرجل البهي. عاودته الرغبة في اكتشاف ما خلف النافذة انه – القبر – الذي كانت جدته تحكي له عن صاحبه، وكيف اتى الى هنا.. هدأ قليلاً استرجع تلك الحكايات المتنوعة التي كانت تلون لياليه الشاتية وهو يستمع الى جدته العجوز. فجأة أصابته فشعريرة وهو يلمح كأن شخصاً يتحرك في الداخل، أصابه الهلع، هل ما يراه صحيحاً؟.. أراد الامساك بأول خيط من خيوط حكايات جدته. انه احد ساكني – البيت – أراد أن يسأله عن القبر وصاحبه لكنه صرف ذلك سريعاً. اسمع يا ابني مرة أرادوا ان يهدموا البيت فتحولت – العتلة – في يد العامل الى ثعبان، ومن يومها لم يحاولوا هدمه.. تذكر كل ذلك وهو يحدد أين موقع زقاق الطوال الآن واين ذلك القبر؟.. انه لا يعرف.