عن دار الكفاح للنشر والتوزيع. صدرت المجموعة القصصية عذراء ولكن.. للأستاذة مها عبد العزيز وهو الإصدار الأول لها فبان بشكل أساسي وعيها المجتمعي في رؤية أنثوية- على اعتبار أن اغلب شخوصها إناث- لتبين لنا رد فعل ومأساة الأنثى في المجتمع مثل: التمسك بالكبرياء في قصة ( أصداء الحنين ) والتائهة في (عذراء ولكن) ،وعفت الكاتبة عن الشكل الفضائحي فنجد مثلا حكايتها عن الحنان المفقود من خلال طفلة مصنفة على أنها متأخرة عقليا في قصة( دوامة ) ، و تقتحم أعماق المأساة وليس أعماق الأنثى كما في(أم إصبع ) وحكاية الفقر وقسوة المجتمع في نظرته للعاملة في قصة (ليل انثى )وعن الأمومة غير المسئولة في قصة ( أمومة من نوع آخر ).... وباستعراض المجموعة نجد حكايات متعددة من القرية أو الحارة . ****** قصة ( حرية ) معنى الحياة من خلال شجرة الحي " شارعنا بالحي يطلقون عليه شارع الشجرة لاحتضانه ميدان الشجرة وهى دوحة كبيرة عمرها يناهز المئتى عام " وترصد شخوص الحي لتتوقف عند أحدهم العم صالح " رجل خمسينى غريب الأطوار يعكف دائما على قبر زوجته الوفية في المقبرة المجاورة ، يسامر روحها يبث لها همومه ويقرئها السلام ، لا يهتم بشكله كثيرا .... الخ " تحكى عن شعوره بمعاناة من حوله وعن جنونه وعقله" لديه هواية غريبة تتمثل في جمع قصاصات من ورق الصحف وبالأخص المشاهير يقطعها ويطويها على شكل طائرة ورقية يلوح بها في السماء " وترصده وهو يتسلق الشجرة حاملا معه قصاصاته الورقية " يستقر جالسا فوق احد أغصانها ورجلاه تتدليان للأسفل وعيناه تحدقان في المجهول " وتنتهي القصة بوفاته " أسراب الغربان لا تزال تحلق فوق الشجرة تحجب ضوء الشمس " ونلاحظ البداية بالحياة وحركة المجتمع والنهاية غير المتوقعة / الصادمة وعبثية الحياة . هكذا تبدأ المجموعة بهذه الشخصية الملهمة التي تحمل بداخلها حكمة الحياة وكأنها تعطى لنا مفتاحا للدخول لباقي القصص . أما (قصة داومة ) عن خريف الطفلة البائسة " أخذت تجمع الأوراق الجافة في حجرها وتسحقها كما تسحق الأيام برائها " كما أن الكاتبة لها شغف بالحي الشعبي فتدخل إلى عمقه " أولاد الحارة يلعبون في الشارع ، بائع الايسكريم يمد صوته البارد .. بقالة الحي تفتح " وانطلاقا من الحارة تحكى لنا عن الحنان المفقود والطفلة هديل المصنفة على أنها مصابة بتأخر عقلي وتحلم بالحنان فتجده أحيانا مع دميتها الأثيرة وتجده مع شخص آخر هو سالم الذي يعاملها بعطف قد يحمل أهدافا أخري! وقصة ( أصداء الحنين )عن اختلاط مشاعر الأنثى بين الاشتياق والحرمان تحسرا على ظروفها وحالة من التشتت أمام سعى الأب التفريق بين الزوجين رغم تمسكها بكبريائها وطلبها الانفصال لخطأ ارتكبه وترصد رد فعله " ومع لحظات إطراق زوجي ووجومه يكاد يجثو أملى على ركبتيه في ساحة النزاع !" ورغم ذلك تشعر بالحنين الذي لا تنكره " ما زلت اسمع قرع نعليه وهو يغادر البيت " " علامات الدهشة ما زالت مرتسمة على محياي فمن سيسود قلبي بعد فراقه" ويبدو أن الكاتبة تنتهج أسلوب المقابلة في المشاعر فتصف نفسها قبل هذه التجربة لتبين مدى جرحها " من قبله كنت نورة الابنة المدللة كنت كطفلة تجلس على عتبة الريح تطلق خصلات شعرها لكل أعاصيره ...الخ". وقصة (عذراء ولكن )عن فتاة تشعر بالضياع والتوهة نتيجة خيانة وخدعة رجل كانت ترتبط به قرر الزواج من غيرها " اتكأت على الجدار تئن من ظلمة الليل وظلمة النفس ، تنظر إلى الطريق وفى داخلها طريق سرمدي مظلم " و تستمر في خط درامي صاف " تراقب وجوه المارة في الشارع ، تشاهد رجلا وزوجته يبتسمان ، تحسدهما على فرحتهما وتتسائل كيف يبتسم الآخرون ؟" وقصة (أم أصبع )تبدأ القصة بالحكاية عن الطفولة وحنان الأم" أكثر ما يثيرني وأنا اغرق في استرخائي في فراشي الاسفنجى الهلال الباسم والنجوم اللامعة ". وعن تهنين الأم لطفلها "يا رحمة الله حلى "وعلى لسان الطفل تقول " لم أكن أعلم ما هذه الرحمة ، كنت احسبها كائنا شريرا سينزل على من السماء ..الخ " وفى مراقبتها وتتبعها للسيدة العجوز الخالة أم أصبع تنتقل من حياتها الهانئة إلى حياة أم إصبع الفقيرة أما قصة( ليل أنثى ).تحكى حكيا مكثفا عن تضحية الأرملة فتبدأ القصة بحنوها " امتدت يد أمي الباردة برعشة تصافح كتفي كان منظر الغروب من تلك النافذة يستحيل حيرة تلتف حول عنقي " والربط بين مشهد الغروب وحالة الابن وأمه نتجت عن أجواء متقاطعة من الحيرة والحزن فالأم المسكينة التي تضحى لتربى اليتامى وصبيها الذي يعانى من نظرة المجتمع لها لنزولها العمل ولتأخرها فيه "اتجهت امى للعمل في إحدى المشاغل النسائية في الفترة المسائية وكانت لا تعود إلا في ساعة متأخرة من الليل اتسعت على اثرها العيون واستطالت السنة أبناء الحي " والشك الذي بدأ يغزوه"لا تستجب للظنون التي أراها تطؤك بأقدام غلاظ شداد". وقصة (أمومة من نوع آخر )تقنية القصة هنا هي كتابة يوميات أو صفحة من مذكرات اختصاصية اجتماعية " بداية دوامتي اليومية تبدأ من ساعة الإشراق ، أصحو على صراخ أطفالي وحاجاتهم اليومية ...الخ" و عن علاقة امومية دافئة "صحوت اليوم على صوت مناغاة ابنتي الصغيرة وجمال عينيها اللتين تقتلاني ببراءتهما وملمس يديها الناعمتين عندما ضممتها لصدري ..." وتسرد الكاتبة عن طبيعة عملها وتجربة زيارتها السجينة المتهمة بالاتجار بالمخدرات وتبدى تعاطف شديد لتقرحات حول فم ابن السجينة الرضيع لتصدمنا وتفاجئنا في نهاية القصة حينما تعترف الأم المجرمة " لقد كنت أسقيه خمرا في قنينة الرضاعة ..!!" وبالتناقض بين الأم الأولى والأم السجينة في نهاية القصة ندرك مدى انتهاك براءة الطفل وقسوة المجتمع . وقصة ( رسائل حائرة )تشترك الطبيعة كأداة تعبير في نسيج ألحكي " السحب تغطى السماء والجو ما زال باردا " قصة عن سيدة حزينة تضطر لقبول زواج المسيار خوفا من أن يفوتها قطار الزواج "لقد منحته كل حبها وأصبح كل شئ في حياتها ...واليوم يغيب بصمت مريب وعقارب الأيام تنفض منه الأمل رويدا رويدا " وتستعرض القصة معاناة السيدة من الإحباط والوحدة لتنتهي القصة على نهاية طبيعية لهذه الحالات أنها ليست الزوجة الأولى فحينما تحاول الاتصال به يأتيها الرد الصادم لها " عفوا سيدتى اى زوجة من زوجات المسيار ". أما قصة ( رغيف )في بداية حميمية مشعة بحب الحياة تقول " سلوتى الوحيدة في هذا الطابور الممل هي رائحة الخبز الذكية وتأمل منظر الخباز وهو يعجن بخفة جميلة وممتعة وخبز الأرغفة في الفرن يذكرني بفرن امى وخبزها اللذيذ بمنزل العائلة في القرية " وتسري القصة في منحنا الدفء بالذكريات وكأن كلمات محمود درويش أحن إلى خبز أمي ضمنيا بين السطور.. ثم تنقلنا على النقيض تماما إلى وحشة الفقد " منظر يوم الحيل المفزع بسياطه اللاذعة عن سقوط قذيفة على منزل جارنا " فتقدم لنا الكاتبة مأساة المخيمات وقسوة الاحتلال كسقطة إنسانية مهينة " وأبصر بجوار الفرن جنديا من قوات حفظ الأمن الدولية للإشراف على توزيع الخبز وبيده عصا غليظة ...اسمع الطفل الصغير يردد أنى جائع ". وتنتهي القصة على تطاير الأرغفة فوق الماء امتدادا لهذا الواقع القاسي وقصة( شبابيك وقضبان )" دق الطبول يرسم هالات سوداء في اذنى ورائحة نقش الحناء في يدي تحمل بقايا روحي ونعش فستاني الأبيض نحو المجهول " البداية توحي بحدث جلل ورفض واضح لهذه الزيجة فنجدها تتزوج من ابن عمها الكريه غصبا من الأخ الأكبر وتوسلات الأم " ورائحة الدنانير تخرج من فوهة جيبه الممتلئ بمهر رميه ....آه أين أنت يا أبى لو كنت حيا فها سترضى بهذا الأمر " تناقش الكاتبة زواج البنت غصبا عنها بسبب الحصول على المال او العادات المقيته كأحد المشاكل الاجتماعية التي تواجه البنات. قصة( قلبي يحدثني )عن شك الزوجة في زوجها الذئب " ولا أنسى زجاجة العطر النسائية التي وجدتها مصادفة في سيارتك وارتباكك حينما رأيتها ....! وادعاءك بأنك أحضرتها كهدية لي وتريد أن تفاجئني وأرقام الهواتف الغريبة في جهازك المحمول ..." وتحكى عن كذبه عليها في وقائع وتفصيلات من الحياة الزوجية تحمل كثيرا من الانفعالات الأنثوية وقصة( مراودة )تبدأ القصة بصوت صراخ القطار " القطار يطلق صيحاته نحو السماء استعدادا للرحيل " وتطلق الكاتبة جوا من التوتر" الوجوه من حوله تدور كبكرة الفيلم السريع " ليقابل الرجل وسط هذه الصيحات " لاحت أمامه نظارة سوداء أخذت زينتها على فتاة عشرينية " ليعيش الشاب في وهم طاووسي . تعبر عنه الكاتبة من خلال حس أنثوي راق " قال في نفسه لا بد إن شبابه وأناقته ووسامته الآسرة قد جذبتها " ويلعب الوهم في رأس الفتى " أخرج ورقة وكتب عليها رقم هاتفه في لحظة توقف القطار " لتكون المفاجأة الصادمة حقا في النهاية أنها ضريرة ! وقصة (معاملة هامة ) تبدأ القصة بإيحاء الملل والكآبة " خلف مكتب هرم وأكوام من المعاملات المتضخمة "وتروي حكاية يتم وحزن ووحدة " طفولة سابحة في بحر الحرمان "مستدعية لقطة له مع أمه " قالت أريدك أن تكون كهذه النجمة اللامعة " وترصد الكاتبة حياة أمه وقسوة الحياة عليها "كانت أكياس بضاعتها المتواضعة التي كانت تبيعها على أرصفة السوق وأصابع يديها الخشنة المتدلية من خلف عباءة سوداء أنهكها الدهر" وتتناول القصة ترقية الرجل لمدير احد فروع الشركة في إطار نهج المفارقات التي تستعملها المؤلفة في المجموعة ليذهب الرجل في مشهد درامي إلى قبر أمه عرفانا لها " وتوقف عند مقبرة المدينة وترجل من سيارته ودخلها وفى عينيه دمعة فرح مزجها الأسى وفى يده قرار الترقية . وقصة (وفاء)عن توتر زوج تصر زوجته أن تنفصل عنه " توقف عند البحر يبث همومه ويشتكى أوجاعه أحس بأن كل نسمه من نسماته العليلة تكتم أنفاسه " ويتذكر حياته معها " تذكر الشرود والتوتر وادعاء الإرهاق ، تذكر حتى باغتته النوارس المحيطة بالبحر وهى تغادر ... " وبشئ من الدراما ترتب الكاتبة الأحداث لنجد مفاجأة حينما يعود" وجدها تركت له ورقة كتب عليها زوجي العزيز لقد كنت مثاليا في حبك لى لكنى لا استطيع إسعادك ". وقصة( أحجية ) تبدأ الكاتبة بمشهد لعب الأطفال المبهج البرئ " يرددون أنشودة قطاري قطاري وقفت أتأمله طويلا وهاني قابع تحت تلك الشجرة في جلسة القرفصاء يلهو بقطع لحجارة " ومن البهجة وعبوس الطفل هاني الذي فقد القدرة على الكلام نتيجة العنف الأسرى " حيث كان أبى في ثورة غضب همجي يضرب أمي بسوط جلدي اسود على ظهرها " لتظهر التناقضات القاسية في الحياة . وتنتهي الحكاية بنهاية مفاجئة وهى سقوط البيت وكأنها تقصد به الانهيار معنوي للأسرة . وقصة ( نزف التراب )ترسم لنا الكاتبة روح القرية " هدير شلال الساقية يضرب عمق الأرض مع أول بزوغ لجدائل الشمس الذهبية في القرية البكر " لتحكى من خلال ناصر مشكلة الهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة "قدوم ناصر عيد للقرية كلها فهو ابن القرية البار وهاهو ديك الصباح يلون ألحانه مستبشرا بقدومه " اما قصة (متاع )تبدأ القصة بفجر يوم جديد " مع بزوغ أشعة الفجر خلف تلك الأسوار العالية " وكأنه إشارة لتغير ما و" وهى تجلس على سجادة طاهرة تدعو بعد صلاة الفجر : يا رب " لنجد الكاتبة تدخل في قلوبنا نوع من التعاطف مع السجينة وتتناول لحظة الإفراج عنها " أحست برعشة شديدة وقشعريرة تسري في أوصالها " وتقارن شكلها " كانت كالفراشة الجميلة ..." وتقترب من معاناتها حيث لا يوجد احد تذهب له بعد السجن لنجد النهاية المفرحة.فتترك احدي صديقاتها رسالة " بيتي وحضني مفتوحتان لك وقت تشائين المخلصة / منال " . أما قصة( مسيرة )تتمنى أن يكون اليوم إجازة لكن " تذكرت أن اليوم ستقام فيه البروفة الأخيرة لحفلة التخرج " حكاية ندى المتفوقة المنغلقة على نفسها نمط الفتاة المحافظة وتفتح لها إحدى صديقاتها باب التحرر " أنها فرصة لكي تري الوجه الآخر للعالم، أنها ليلة فريدة لن تنسيها " ووراء هذا الإغراء تكذب البنت على أهلها وتخوض التجربة . ****** وإجمالا نجد أن أهم سمات المجموعة : 1- تعددت موضوعاتها واحتلت المشاكل الأنثوية في المجتمع والمشاكل الزوجية الطرح الأكثر حيث تمثلت الأنثى غالبا بالضحية مثل قصص ( أصداء الحنين / عذراء ولكن / ليل أنثى / رسائل حائرة / شبابيك وقضبان / قلبي يحدثني / مراودة /وفاء /متاع / سيرة ) كما تعرضت لمشكلات أخرى إنسانية أيضا مثل الهجرة الداخلية في (نزف التراب ) وقسوة الاحتلال في( رغيف) و وحياة الشقاء في (آم إصبع )و(دوامة) و( حرية ) 2- اعتمدت على المفارقة داخل اغلب القصص كي تبين فكرتها فمثلا:في قصة ( حرية ) تبدأ القصة بإدخالنا لمجتمع حيوي وتنتهي بموت الرجل موضوع القصة وقصة ( أصداء الحنين) تصف حالة السيدة قبل الانفصال وبعده لتشعرنا بمدى الجرح وقصة (أمومة من نوع آخر ) في المقارنة بين الأم الأولى والسجينة لبيان مدى بشاعة القسوة على الطفل وقصة رغيف تبدأ القصة بتدفق الذكريات وحب الحياة ثم تنقلنا إلى وحشة الاحتلال وقصة مراودة عن سوء فهم الشاب الطاووس ليجد أن صاحبة النضارة ضريرة وقصة أحجية المفارقة بين الأطفال الذين يلعبون والطفل البائس وقصة مسيرة عن البنت المحافظة وغوايتها للتحرر والمفارقة أعطت عمقا إنسانيا كأحد المؤثرات على المتلقي. 3- استعملت الكاتبة الطبيعة أحيانا كاداه للتعبير عن حالة شخوص حكاياتها مثل : التطابق مع الطبيعة والطفلة في قصة دوامه والتطابق بين مشهد الغروب وحالة الابن وألام في قصة ليل أنثى وفى رسائل حائرة تشترك الطبيعة في نسيج الحك . 4-ومن السمات الهامة في المجموعة انتهاء القصة على صدمة أو مفاجئة أو نهاية غير متوقعة وأحيانا كانت جزءا من المفارقة كما في قصص ( حرية / أمومة من نوع أخر / رسائل حائرة / مراوده/ متاع ) 5- اعتمادها ليس على التقنيات القصصية وإنما على الحكاية نفسها كدال أساسي و الرصد كما في بداية قصة معنى الحياة أو صفحة من مذكرات كمعافى قصة أمومة من نوع آخر . هكذا تتدفق رؤية الأستاذة / مها عبد العزيز في رؤية تتوق إلى الإنسانية والدخول إلى تفاصيل المجتمع معبرة عن آلامه وأحزانه. [email protected]