لا أذكر حقيقة أني مررت بمدينة من مدن المملكة ولم أر مجسم الدلة وملحقاتها ، هذا المجسم الذي إن نظرت يمينا رأيته .. وإن التفت شمالاً رأيته ، فأينما يممت مركبتك تجد هذه الدلة جاثمة أمامك ، تارة أمام مدخل المدينة وتارة تتوسط إحدى الدوارات ، بل لقد رأيت في إحدى المدن جنوب المملكة جبلاً كاملاً تم تحويره إلى مجسمات اسمنتية جلها (دلال وفناجين قهوة )، وكأنما تراثنا كله الممتد لمئات السنين قد حط رحاله عند عتبات الدلة ودلالاتها الثقافية ، لدرجة أن أحد الأصدقاء أخبرني بأنه رصد بنفسه ما يزيد عن عشر مجسمات في مدينته شمال المملكة لا تخرج جميعها عن الدلة وملحقاتها، لماذا ؟ هل لأنها كما يراها البعض ( أي الدلة ) دلالة على كرمنا وتراثنا وأصالتنا .. أم لأن الذهنية المسؤولة عن تجميل الشوارع والميادين في معظم بلدياتنا راكدة لا تبتكر .. لا تجدد .. لا تُحسن استحداث أنماطاً جمالية أخرى غير هذه الدلة ؟ أتخيل الآن لكثرة ما رأيت من مجسمات الدلال في شوارعنا أن المسؤول الفني عن المجسمات التجميلية في كل محافظات المملكة شخص واحد ، أمامه دلته وبين أصابعه فنجان قهوته ، فإذا ما أتت الحاجة لعمل مجسم ما ، قام ذلك الفني المسؤول في البلدية يمز رشفة عميقة ذات إيقاع مجلجل من الفنجان مختومة بفرقعة وهو يقلب فنجانه بين أنامله وقال : ( وش رايكم نسوي دلة وفنجال قهوة ) . وهكذا مع كل ميدان .. مع كل ركن .. مع كل حديقة ومدخل للمدينة .. حتى أصبحت شوارعنا وميادننا وحدائقنا ومداخل المدن لدينا كلها نسخة واحدة ، يا أصحاب السعادة رؤساء البلديات .. الوطن مليء بالمبدعين والمبدعات في النحت والتجسيم والفنون التشكيلية ما الذي يمنعكم أن تمنحوهم حق ملء تلك الأركان والميادين بإبداعاتهم وطاقاتهم الفنية ؟ ألا ترون معي أن المبالغ التي تصرف على مجسمات باهتة ومكرر بالإمكان توجيهها لخدمة تلك المواهب الوطنية التي أكاد أجزم أنها قادرة على إحداث نقلة عصرية ً في تقنية بناء المجسمات الجمالية لأي مدينة ، على الأقل سنتخلص من هذا الاستنساخ الصارخ في هذا الشأن ، يا أصحاب السعادة .. أرحمونا من مجسم الدلة والفنجان والمبخرة تكفون ، خلاص .. عرف العالم أننا كرماء وأقسم لكم .. دعونا نخبرهم بأمر آخر . تصدقون .. كأني أسمع الموظف أعلاه يقول (وش رايكم في براد شاهي تلقيمة ؟ )