كانت الأجواء مشمسة ونحن جميعاً نلبس ملابس الاحرام إنه (يوم عرفة) كنت مسؤولاً عن فريق من الزملاء في جريدة البلاد نؤدي عملنا في المشاعر المقدسة لتغطية مناسك الحج.. كل بعثة البلاد وعددها يزيد على الثمانية افراد كلنا كنا ضيوفاً على معالي وزير الإعلام في ذلك الوقت الدكتور محمد عبده يماني.. فقد كانت وزارة الإعلام في السابق تستضيف بعثات الصحف المحلية بالإضافة إلى الصحافة العربية والإسلامية لتغطية مناسك الحج.. وفجأة وفي منتصف نهار يوم عرفة حدث (الزلزال) وصل الرئيس محمد أنور السادات إلى القدس في مشهد مهيب وتغيرت كل ظروفنا في حج هذا العام وحدث لنا نوع من الزلزال من يصدق أن رئيس أكبر دولة عربية موجود في القدس لم تكن الفضائيات تعمل في ذلك الوقت كما هو الآن وكان (الراديو) هو وسيلة الاتصال بالعالم وبدلاً من أن ينشغل الناس بالذكر والدعاء في هذا اليوم الفضيل يوم عرفة.. بدأت الكلمات والهمسات تدور حول (مبادرة السادات).وزير الإعلام السعودي الذي كان يلبس ملابس الاحرام وكان مهتماً بوالده الذي يؤدي معنا الفريضة في هذا العام وجدناه يطلب جهاز تسجيل كبير جداً ويحمله على صدره ويرفع (الانتن) لكي يستمع إلى إذاعة القاهرة و(صوت العرب).. و(اذاعة لندن) التي تذيع تفاصيل وصول الرئيس السادات إلى مطار بن جوريون في تل أبيب وكيف كان كل قادة اسرائيل في انتظاره وهو يطل من الطائرة وينشد السلام العادل لبلده ولكل بلاد المنطقة. في ذلك الوقت كان الدكتور يماني واركان وزارته الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة والدكتور عبدالعزيز الصويغ والدكتور صالح بن ناصر والأستاذ عزت مفتي مدير عام الإعلام الخارجي وبدر كريم في حالة اجتماعات مستمرة (في خيمة الوزير) لمعرفة تفاصيل الرحلة وموقف المملكة من هذه الرحلة التي لم تخطر على بال أحد.. أما مجموعة الإعلاميين من كافة البلدان الإسلامية والعربية الذين جمعهم (مخيم وزارة الإعلام) فقد انقسموا إلى فريقين فريق مع السادات يؤيد هذه المبادرة وفريق يعارضها المهم أن الزيارة خطفت الأضواء وكان علينا ان نلتزم بالرأي الرسمي للدولة الذي تبثه (واس). وبالنسبة للصحفيين المصريين الذين يؤدون فريضة الحج في هذا العام فقد التفوا حول مذيع صوت العرب الشهير الأستاذ أحمد سعيد لنشكوا إليه أنه ضللنا خلال حرب عام 1967م حين ارتفع صوته من صوت العرب وهو يقول:"بشرى يا عرب دخلت قواتكم إلى مشارف تل ابيب" بينما كان الجيش المصري في حالة انسحاب وانكسار وهو يلملم شتاته في عملية الانسحاب من الجبهة.. وأقسم لنا أحمد سعيد أنه كان يذيع هذه البيانات المضللة وفي ظهره مدفع رشاش يرفعه أحد الضباط ليقول هذه البيانات غير الصادقة على الرأي العام المصري والعربي.. المهم كان هذا العام هو عام السادات بلا منازع وعدنا إلى عملنا في الصحف المحلية بعد انقضاء أيام الحج لنتابع مجريات الأمور التي نعرفها جميعا حينما دعا الرئيس العراقي صدام حسين إلى قمة عربية طارئة لمقاطعة السادات شاركت فيها كل الدول العربية إلا دولتين هما السودان وسلطنة عمان.. وما تبع ذلك من قطع علاقات الدول العربية مع (مصر) إلا السودان وسلطنة عمان.. واستمر مسلسل تداعيات زيارة السادات للقدس.. من نقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة لتونس.. وكانت هذه الزيارة بمثابة مواجهة جديدة في حلقة العالم العربي الإسرائيلي..