أكد عددٌ من العلماء أن الإمام أبا حنيفة كان له أكثر الأثر في نشأة المذاهب الفهية، كما أنه لم يكن يلجأ إلى الرأي والاجتهاد إلا عند فقد النص الشرعي من الكتاب والسنة أو من أقوال الصحابة، مبيِّنين أنه كان إماماً في الزهد وخشية الله تعالى والتواضع في أخذ العلم حتى عن العلماء الذين هم أصغر منه سنًّا. جاء ذلك في ندوة أقيمت في الجامعة الإسلامية برعاية معالي مدير الجامعة الإسلامية الأستاذ الدكتور محمد بن علي العقلا ضمن سلسلة ندوات تقيمها الجامعة عن الأئمة الأربعة في فعاليات المدينة عاصمة الثقافة الإسلامية 2013م بعنوان: "أبو حنيفة وتأثيره في الدراسات الفقهية" شارك فيها كل من معالي الأستاذ الدكتور يعقوب عبدالوهاب الباحسين عضو هيئة كبار العلماء بالممكلة العربية السعودية، ومعالي الأستاذ الدكتور أحمد محمد هليل قاضي قضاة الممكلة الأردنية الهاشمية، وفضيلة الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزحيلي عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى. وبدأ الحديث في الندوة الدكتور أحمد هليل معرِّجاً على سيرة الإمام أبي حنيفة ذاكراً بعضاً من مواقفه في العلم والزهد والأخلاق، ومنها أنه كان يصلي الفجر بوضوء العشاء ما يقرب من الأربعين عاماً حيث كان لا ينام الليل بل يقومه، ويتضرع إلى الله عز وجل، حتى أطلق عليه بعض معاصريه الوتد، من شدة خشوعه، كما كان يأخذ العلم من أي عالم في عصره حتى ولو كان أقل منه عمراً مثلما حضر ذات مرة درساً للإمام مالك وهو أصغر منه. كما كان كريماً رحمه الله وصاحب صدقة، إضافة إلى أنه كان يدعو لعلمائه الذين علّموه إذ يقول رحمه الله عن شيخه حماد بعد وفاته: "ما صليت صلاة إلا دعوت له مع دعائي لوالدي"، ومن كلماته المأثورة قوله رحمه الله (قولنا هذا رأي هو أحسن ماقدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن منه فهو أولى بالصواب)، وكان صاحب حجة وبيان وبرهان يحاور الملحدين في زمانه فيُفحمهم. وتحدث عضو هيئة كبار العلماء الدكتور يعقوب الباحسين عن بعض القضايا في فقه الأمام أبي حنيفة حيث يعتبر مذهبه إلى جانب المذهب الشافعي هما أكثر مذهبين في العالم الإسلامي، مؤكداً أن الأمام أبا حنيفة في مسائله يأخذ بكتاب الله فإن لم يجد فإنه يلجأ للحديث فإن لم يجد فقول الصحابة فإن لم يجد يجتهد فهو القائل: (هم رجال ونحن رجال)، كما أنه كان يأخذ بالاستحسان لرفع الحرج في الشريعة، وكان هذا مثار نقد من بعض العلماء، حيث إن الإمام الشافعي أبطل الاستحسان حين قال:(من استحسن فقد شرَّع). وذكر الشيخ الباحسين أن الأمام أبا حنيفة كان يرى أن العام قطعي، وهذا يخالف رأي جمهور العلماء، لأنهم يرون أنّ دلالته ظنية فلو تعارض الخاص والعام قضى الخاص على العام، سارداً بعض الأمثلة على ذلك. كما أجاز قراءة الفاتحة بالفارسية. وأوجز الدكتور محمد الزحيلي تأثير الإمام أبي حنيفة على الفقه الإسلامي في عدة نقاط منها: أن أبا حنيفة كوّن أول المذاهب الفقهية السنية الأربعة، كما ترك عددًا من العلماء حتى صاروا أئمة في عصرهم، وكتب مذهبه كثيرة، وقد أملى على طلابه مايزيد عن ثمانين ألف مسألة، مبيِّناً انتشار مذهبه في بلدان العالم أجمع ومنها تركيا وأفغانستان وباكستان.. وغيرها، إضافةً إلى التزام المذهب في أعمال الدولة والقانون والقضاء، حيث كان هو المذهب الرسمي للدولة العباسية، واعتماد المذهب في التقنين والتنظيم المعاصر في الدولة العثمانية، والتزام المذهب في التدرس بأكثر الدول الإسلامية.