" المرأة هي الشعر ، وليست ملحقة به ، أو مضافة إليه ، أو هامشاً من هوامشه ، كل شعر كُتب أو يكتب أو سيكتب مرتبط بالمرأة كما الجنين بالمشيمة " الشعر يبدأ بالمرأة والعلاقة الشاسعة الممتدة متلاصقة بينهما منذ نشأته ويمثل الغزل عصب الكلام منثورا كان أو منظوما فهو أصدق فنون الشعر حيث يتربع على منصته ويوقظ الحسّ في المتلقي ليتسّرب فيه الدهشة والشعور بالجمال. إنه الجانب الأكثر تحريكا لأحاسيس ومشاعر المحبوب وذاته والأبعد عن التملق والتكسب , وإن كان التصوير للحالة العاطفية متباينة من شاعر لآخر إلا أن اللوعة ,اللهفة ,الفراق ,الهجر والشجن نُقلت لنصوصهما بعمقها ,عفتها ,رحابتها عذوبة حديثها , وحتى بسطحيتها مما يسمح بوُصف الأثر إمّا بالنادر المدهش وإمّا بوزن الهباءة. وإن كان الغزل والنسيب والتشبب اختلفت دلالتها لدى النقاد والمؤرخين إلا أن قلّة منهم فرّق بينها إذ كانت أغلبية الآراء تتفق على أنها معانٍ مترادفة فشَبَّبَ بالمرأَة: قال فيها الغَزَل والنَّسِيبَ؛ وهو يُشَبِّبُ بها أَي يَنْسُبُ بها" في حين يرى جمهور اللغويين أن التغزل هو تكلف الغزل وقد تناوله عمالقة البلاغة الذين كشفوا عن أسرار الجمال والإعجاز. وتَتبُعنا للغزل منذ نشأته أشبه ماتكون بعملية استيعاب واندماج بين قارئ وتراث وتفاعل دؤوب بين جيل وجيل وهو ما يمكنه من معرفة تسلسله ومزاياه وبالتالي تتضح القيمة الجمالية والفنية المتنوّعة للأثر الأدبي ويمنحها بُعدا منفردا مؤثرا يصل بالقارئ لأفقٍ فريدٍ قادرٍ على تفاعله معه فيحلو اللفظ وينساب المعنى. إن كان الشاعر تناول حسن المرأة مستلهما تفاصيل جمالها الخارجي طولها وعينيها فلا يخجلون من تصويرها جسدٌ بِلا روح كحرية تعبيرية إبداعية فإن هناك من تناول فيها لغة الحب الحزين والشفاف وأوصلها بعيداً كما تناولها جميل بثينة : لم تعلمي يا عذبةَ الريقِ أنني أظلُّ إذا لم أَلْفَ وجهكِ صاديا لقد خِفْتُ أن أَلْقى المنِّيةَ بغتةً وفي النفس حاجات إليكِ كما هيا وعلى مر العصور تتجلى المرأة بصور متباينة فتارة الأم , وتارة الزوجة , وتارة أخرى الأخت والابنة .. تتدرج وتموج بمراتبها تفتح الأبواب فتنطلق لسماوات الإبداع وتمدها بالخيال فتثور القصيدة وتبرز ظلها لتبدو أسطورة خيالية بفيض حنانها ونبع حبها من بداياتها لنهايتها كما صورها محمد جبر الحربي : لكِ اللهُ التي في أعيني شمسي وعليائي وإن أدنو فغاياتي جمالٌ من حِراك الضوء. وماءٌ من رحيق النوء. وصبحٌ مالهُ أولْ.. كصبحكِ يا صباح الخير يا أمي ويا بنتي ويا كلماتيَ الأولى البدائية. "إن القصيدة ذات القوة الأصلية التي تستحقُّ اسم الشعر بمعناه الجوهري، ليست هي القصيدة التي منحتنا قراءتها أكبرَ مقدار من اللذَّة، وإنما هي القصيدة التي تعطينا أكبر مقدار من اللذَّة حينما نعود إلى قراءتها" إنها المرأة في عيون الشِّعر بل هي الشِّعر في بحور الأدب والتي تثير في القارئ الدهشة والانسجام مع كل جزيئات النص كمن يملك دررا وفي كل قراءة يستخرج مكنوناتها. عَبير بِنْت أحْمد